بين خاتمي ونجاد

TT

الاميركيون يفتشون في الصور القديمة، عسى ان يكون بينها احمدي نجاد، الرئيس الجديد لإيران، الذي يظن انه كان طالبا في عام 1979، وشارك مع طلاب الثورة في احتلال مبنى السفارة الاميركية واحتجاز موظفيها لأكثر من عام. مرت فترة كافية الا ان الرئيس الجديد لم يخرج ويفاخر، بأنه كان احد الذين قفزوا فوق أسوار السفارة، كما انه لم ينكر دوره فيها، بل ظل صامتا حتى الآن.

اما الرئيس الذي غادر مكتبه، محمد خاتمي، فانه منذ خروجه، وهو يتحدث كصقر عن موقع ايران وحقها في تخصيب اليورانيوم، وتشغيل المفاعلات الذرية. فكيف نفسر هذا الانقلاب الجديد في الشخصيتين؟

لا أظن ان خاتمي يعني بالفعل ما يقوله، بامتلاك ايران للطاقة الذرية. حديثه لا ينسجم مع مواقفه الاساسية القديمة التي ترى ان على ايران الانفتاح الخارجي، وان تهتم بتطوير ذاتها بدون التورط سياسيا وعسكريا. خاتمي حارب لفترتين رئاسيتين القوى السياسية المسيطرة على الحكم، التي تنحو الى التطرف السياسي، وفشل في تغيير الوضع حتى مع مساندة طلاب الجامعات له.

عندي تفسير ربما فيه شطط وخيال جامح، لكنني لم أجد غيره في محاولة فهم انقلاب خاتمي على مواقفه المعتدلة الى التطرف، خاصة في قضية المفاعل الذري. فهو ربما يريد للنظام الايراني ان يصل الى اقصى مداه في التطرف من خلال الحكم الجديد، فإما ان يصطدم بقوى دولية كبيرة ويخسر المعركة وينتهي الاحتقان الايراني الداخلي، او ان يدفع التطرف الرسمي المواطنين الى الانفجار، ودفع النظام نحو منهج سياسي جديد معتدل، تخسر معه الجماعات الممسكة بزمام الحكم. بدون هذين التفسيرين لا استطيع ان افهم موقف سياسي معتدل كخاتمي، عانى كثيرا من تسلط المتطرفين السياسيين في ايران الذين لاحقوا اتباعه، وسجنوا عددا من المحسوبين عليه، وأغلقوا صحفا موالية له وأذلوه اداريا كل هذه السنين، من خلال تقاسم الصلاحيات ونقض قراراته. والا كيف نفسر ان يؤيد خاتمي مشروع الطاقة النووية، المكلف ثمنا في بلد فقير كإيران، وإيران من اغنى الدول في العالم بطاقة البترول؟

لا اجد تفسيرا للتطرف الخاتمي الطارئ، الا بأنه محاولة لإحراج المؤسسة الحاكمة في طهران ودفعها للمواجهة الخارجية او المصادمة الداخلية حتى تحسم حالة الانتظار التي فشل خاتمي في حلها، رغم انه انتخب بالأغلبية الشعبية مرتين على التوالي، والأغلبية صوتت له بناء على برنامجه المعتدل.

اما الرئيس الجديد نجاد، بخلاف خاتمي، فقد كان في السابق يتحدث بصوت مليء بالتحدي في فترة الانتخابات، لكن ومنذ فوزه وهو يبدو اكثر ذكاء وهدوءا، يراقب أكثر ويتحدث أقل. نأى بنفسه عن التورط في التعليق على الاتهامات ضده في اقتحام السفارة الاميركية واخذ موظفيها رهائن. وبالتالي من يدري لعل الرئيس المحافظ المتشدد هو الذي يلعب دور خاتمي الموعود، الذي فشل في تحقيقه بقيادة ايران نحو الانفتاح والاعتدال.

[email protected]