اسم الشعب الرجل ترودو

TT

تختلط الأسماء في حياة الصحافي. أسماء المدن وأسماء الناس وعناوين الأحداث وتواريخها.

وكما يشعر الروائي بعلاقة خاصة مع أبطاله، يشعر الصحافي بعلاقة خاصة مع أهل عالمه. وكما يضع الروائي شيئا من نفسه في أبطاله، يضع الصحافي شيئا من مشاعره وردات فعله وانطباعه الشخصي في الكتابة عن الذين يقابلهم. وقد أجريت مقابلات سريعة مع كثيرين. وبعض هذه اللقاءات العابرة شعرت انه بمثابة صداقة دائمة. هكذا كان الأمر بالنسبة إلى رئيس وزراء كندا بيار اليوت ترودو. وقد تلقى ترودو مرة رسالة من الزميل الدكتور جورج طراد يسأله فيها أن يساعد شقيقه على دخول كلية الطب في جامعة مونتريال. ورد ترودو بأنه يهتم بالأمر لان له صديقا صحافيا لبنانيا هو الداعي لكم بطول العمر.

أعجبت إعجابا فائقا بالدكتور ترودو. كان يمتلك، بامتياز، الصفات التي أحبها في القادة: الشجاعة والثقافة والتواضع. ولا يمكن لذي عقل ألا يكون متواضعا. وكلما خف الرأس وفرغ علا واستعلى. وكان ترودو شديد التواضع. وعندما ذهبت لمقابلته بعد أن تنازلت عن هجرتي الكندية، قال لي في بساطة آسرة لا تنسى «لماذا لا يهوى الشعراء والكتاب البقاء في كندا؟ لماذا لا تعرف كندا كيف تستبقيهم؟».

العام 1968 أعلن ترودو حالة الحرب لكي يحافظ على وحدة كندا ويمنع كيبك من الانفصال.

وبعدما أعطى كندا حجمها الدولي وأكد استقلالها عن جارتها الطاغية، عاد إلى عالمه الخاص في «اوترومون» على تلال مونتريال. وذات يوم خرج ابنه الى البحيرة المتجلدة لكي يمارس هواية التزلج. ولم يعد. وغار ترودو في وحدته وحزنه. وتساقط شعره وإرادته في البقاء. ومات على تلال مونتريال، التي أطلقت اسمه على مطارها.

ذات مرة كنت في مطار باريس عندما لمحت بيار منديس فرانس، الشجاع والمثقف والمتواضع الذي قلّم مطامع فرنسا الاستعمارية. اقتربت منه، ومعه مرافق واحد، وقلت له، لا ورقة معي ولا قلما، مثل كل صحافي. لكنني أريد القليل من وقتك لأسئلة سريعة. ابتسم بتواضع وتوقف. وقال، دعني اسألك أنا أولا عن لبنان. وعندما أراد ان يكمل طريقه مستأذنا، استوقفته مرة أخرى قائلا: لا ورقة ولا قلما ولا آلة تصوير. كيف أثبت لصحيفتي أنني تحدثت إلى منديس فرانس؟ قلب شفتيه حائرا. فأخذت جواز سفري من جيبي وقلت، الرجاء أن توقع هنا. وكان ذلك أهم توقيع على واحد من نحو 20 جوازا ملأتها حتى الآن. إلى اللقاء.