موضات السرقة

TT

للسرقة موضاتها ككل فعاليات بني الانسان. كان الناس في القدم يتربصون للمسافرين ثم يهجمون عليهم ويسرقون ممتلكاتهم، هذه موضة قديمة لم تعد رائجة بين الحرامية المحترفين. حلت محلها سرقة البنوك التي متعتنا بافلامها السينمائية، ولكنها سرعان ما مضى زمنها. الحرامي الوجيه لا يدخل ببندقية احد البنوك ويسرق ما في الادراج من نقود، اصبح الآن يدخل البنك حاملا شهاداته ومؤهلاته وكتاب تعيينه مديرا له ثم يسرق ما في ارصدته من اموال وودائع. الحرامية المحدثون لا يوسخون ايديهم بالفلوس كما نفعل نحن، كل ما يفعلونه هو ان ينقلوا ودائع البنك الى حسابهم السري الخاص، انها مسألة جرة قلم.

يظهر ان هذه الموضة ايضا قد بطلت، السرقات الشائعة الآن هي سرقة اسئلة الامتحانات وبيعها للتلاميذ الوجهاء. شاعت ايضا سرقة المواد الطبية من المستشفيات. ولكن السرقات اللائقة والجديرة بوجوه البلد تقوم على الاختلاس من خزينة الدولة او المؤسسة الكبرى. ولكن هذه الموضة اخذت بالتلاشي ايضا لتحل محلها سرقة المساعدات الاجنبية. هذا نوع من السرقة لا يخدش ضمير الحرامي، فهو يعتقد ان ما يسرقه لا يخص بلاده وانما هو من اموال الدولة المانحة، واكثر هذه الدول المانحة على اي حال دول غير مسلمة، وعليه فالسرقة منهم حلال. انني مغرم بتتبع موضة السرقات واخبارها، وبالنظر الى انها اصبحت جزءا من حياتنا والنشاط الاقتصادي لبلادنا، فقد فكرت مرارا باصدار صحيفة او مجلة اسبوعية بعنوان «اخبار السرقة» او «لسان الحرامية»، اورد فيها انباء آخر الصرعات في موضات السرقة وسيرة كبار الحرامية في التاريخ وكل ما في الساحة من مستجدات سرقة بطاقات الائتمان مع ملحق خاص بزواجات كبار الحرامية من بنات الذوات والاسر العريقة في عالم البوق واللصوصية.

من الموضات التي اجتاحت دنيا السرقات في السنين الاخيرة سرقة ساعات رولكس. وهي مهنة مربحة ولكنها كرقص الباليه، والغناء الاوبرالي تتطلب تدريبا منتظما منذ الطفولة على التعامل مع الايدي الناعمة وخلع الساعة منها بدون ان يشعر صاحبها بأي حركة. وهذه ظاهرة عجيبة، فبقدر ما تزداد سرقة ساعات رولكس يرتفع ثمنها. التفسير الوحيد لهذه الظاهرة هو ان سرقة هذه الساعة من اصحابها تضطرهم للذهاب الى اقرب ساعاتي وكيل لرولكس لشراء بديل لها. وهذا يضاعف الطلب عليها فيرتفع سعرها عملا بقانون العرض والطلب.

السلعة الوحيدة المنافسة لساعات رولكس في ميدان السرقة الوجيهة هي سيارات مرسيدس، وكلما ابدعت شركة مرسيدس في اختراع اذكى الوسائل لمنع سرقتها، ازداد ثمنها بازدياد اقبال الحرامية عليها، ومن هذه الزاوية يمكنني ان اقول ان كل هذا التقدم التكنولوجي في العصر الحديث يعود الفضل فيه للحرامية فيما يوحون به للمصممين من ابداع واختراع.