جنون الإنسان

TT

العالم مشغول هذه الايام، ومنذ فترة ليست بالقصيرة، بالحمى القلاعية وبجنون البقر وبالامراض التي تشكل خطراً على الحيوان وكذلك على الانسان، اقتصادياً وصحياً. واذا كان العلماء قد اتفقوا على العلاقة بين جنون البقر وبين مرض «الالتهاب الاسفنجي الدماغي» الذي يصيب البشر، وبين طريقة تغذية الحيوانات وانتشار هذا المرض، فإنهم اختلفوا حول مرض الحمى القلاعية، وما اذا كانت هناك علاقة مباشرة بينه وبين الاساليب الحديثة في تربية الحيوانات.

فالمختصون يجمعون على أن الحمى القلاعية لا تنتقل الى البشر ولا تؤثر عليهم صحياً الا في حالات مرضية بسيطة وفي حالات نادرة. ويتمسك كثير من هؤلاء المختصين بأن الحمى القلاعية، التي تعتبر من أكثر الفيروسات خبثاً وتصيب الحيوانات مشقوقة الظلف (مثل الاغنام والماعز والجاموس والخنازير.. وغيرها) عرفت منذ زمن طويل وأنها انتشرت على موجات في الماضي وأدت الى القضاء على اعداد كبيرة من الثروة الحيوانية لمنع انتشار المرض على نطاق اوسع. ويقولون بالتالي ان انتشار المرض حالياً لا علاقة له بالانتقادات التي توجهها العديد من الجهات الى طرق تغذية الحيوانات بالبروتينات وبأعلاف تضاف اليها بقايا الحيوانات.

في المقابل هناك تيار متنام يرى أن الحمى القلاعية وإن كانت لا تشكل خطورة على البشر الا أنها تؤثر على حياتهم، وهي تمثل انعكاسا لظواهر سلبية ناجمة عن الاساليب الحديثة المتبعة في المزارع والتي تسعى الى الربحية السريعة باستخدام الهرمونات والبروتينات لاطعام الحيوانات، وتوظف علم الجينات لتطوير نباتات هجينة سريعة النمو بشكل يخالف احياناً كل قوانين الحياة. وفي هذا الاطار ذكرت منظمة الاغذية والزراعة الدولية (الفاو) في تقرير صدر قبل أيام أن المخاطر الخاصة بانتقال الحمى القلاعية لها صلة بالحيوانات التى تتغذى على البقايا من الفضلات الغذائية.

ولا يحتاج الانسان الى عبقرية خاصة لكي يدرك أن اطعام المواشي بفضلات تشمل احياناً لحوما واجزاء من النخاع الشوكي وعظاما مطحونة، أمر يتنافى مع سنن الحياة وقوانينها، ويتسبب في امراض وظواهر تزداد خطورتها على البشرية.

ان الاستفادة من العلم في مختلف مجالات الحياة أمر لا خلاف عليه، ولكن الخلاف هو في كيفية تحقيق هذه الاستفادة. فالانسان يمكن أن يستخدم العلم لتطوير «وحش فرانكشتاين» أو لاختراع تقنيات لعلاج الامراض المستعصية. وهو يمكن أن ينجرف وراء الاستنساخ لهثاً وراء حلم الخلود المستحيل، كما يمكنه ايضاً أن ينصاع للمحاذير الاخلاقية ويوجه هذه التقنيات نحو استنباط وسائل علاجية جديدة للامراض. فإذا امتثل الانسان للحكمة ولسنن الحياة وقوانينها الازلية، فإنه سوف يستعيد التوازن الذي بدأ يضيع حالياً. أما اذا واصل الاساليب الغريبة والمستهجنة في المزارع والمختبرات الطبية فإن جنون البقر لن يكون الا خطوة في طريق الانحدار البشري نحو المجهول.