الكذب فضيلة عربية (1)

TT

لا افهم كيف تحتفظ الثقافة العربية لشاعر مثل ابي الطيب المتنبي بهذه المكانة العظيمة، ولا افهم كيف يحظى رجل مثل هذا الشخص بكل هذا التقدير من المثقفين العرب حتى عصرنا هذا؟

المتنبي رجل كرّس عبقريته في توليد الصور الشعرية، في خدمة الحكام.. وطبعا فان المتنبي لم يكن يمدح هؤلاء عن قناعة، وكان ينسب اليهم ما تعجز مخيلة الانسان الحر او الانسان السوي، على ان تنسبه لشخص محكوم بقانون الفناء، حاله حال كل الموجودات على الارض.

انني لا اثق بأي شاعر ينظر الى المتنبي كمثل اعلى، فرجل يبيع موهبته لمن يدفع اكثر، ورجل يسمح لاي طاغية استولى على الحكم بالقوة واستولى على المال العام دون وجه حق، باستباحة هذه الموهبة واستخدامها في تضليل الناس.. رجل كهذا لا يستحق اي احترام، لان قصائده ولا اقول شعره، ارتبطت بالكذب والدجل والتضليل.

لكن يبدو ان كثيرا من مثقفينا لا ينظرون الى الكذب باعتباره رذيلة، بل انني لا اتجاوز الحقيقة لو قلت ان كثيرا من مثقفينا ينظرون الى الكذب باعتباره نوعا من انواع الشطارة والفهلوة والدهاء، وهي صفات كانت الثقافة العربية وما زالت تنظر اليها بكثير من الاحترام والتقدير، ولو راجعت كتب التاريخ العربي لوجدت ان وصف شخص ما بكلمة داهية، يقترن دائما بالتقدير والاعجاب.. مع ان مصطلح داهية لم يكن يطلق الا على الشخص الماكر وصاحب الحيلة الواسعة والقادر على تضليل الناس وتوظيفهم لتحقيق مصالحه الشخصية على حساب المصلحة العامة.

ثقافتنا ما زالت تعتبر ان البراعة في حياكة الاكاذيب، فضيلة!