علماء طالبان: صبرنا على الأصنام خمس سنوات والعالم عدونا في كل الأحوال هدمناها أم لا

TT

قصة ما جرى في قندهار (3 من 3) * القرضاوي: الموازنات أساس الفتوى وليس من حقكم الإضرار بالمسلمين

* حين يكون العلم بالدين منقوصا والعلم بالدنيا مغيبا كيف يمكن أن يتصدى المرء للفتوى بل كيف يمكن أن يوصف بأنه عالم

* الملا محمد عمر: حين تحين الساعة وتصبح الجبال كالعهن المنفوش فإن التمثالين سيبقيان شاخصين وسوف يسألني الله عنهما لماذا تركتهما في مكانهما

* مشاكل الطالبان مع الغرب كثيرة وبهدمها التمثالين وضعت نفسها في مشاكل أخرى مع دول الشرق كالصين واليابان والهند بدوره كان اللقاء مع العلماء الافغان مثيرا، ولكن في اتجاه آخر، ذلك ان الاثارة في لقاء عناصر طالبان كانت بالاضافة، ولكنها في ما خص العلماء كانت بالخصم. نعم هم معذورون لا ريب، فلانهم حفظوا النصوص والمتون ولم يتجاوزوا حدود مدونات الفقه الحنفي، ولم يتح لهم ان يعرفوا شيئا عن الدنيا والواقع، فانهم افتقدوا اهم الاركان والشروط المؤهلة للفتوى، اذ حين يكون العلم بالدين منقوصا، والعلم بالدنيا مغيبا، فكيف بالله عليه يمكن ان يتصدى المرئ للفتوى، بل كيف يمكن ان يوصف اصلا بأنه عالم؟

اقول ذلك بشعور المحزون احقاقا للحق، وادرك جيدا ان هناك من يتربص ويتصيد، ويتلمس أي فرصة أو معلومة للانقضاض والتشويه والتعميم على كل علماء المسلمين، لكن أسجل بكل ما املك من علو الصوت انني اوردت الملحوظة من باب التشخيص، ولكي نتدبر الامر ونفكر في سبيل لعلاج الموقف، لا لكي يكون ذلك بابا لشماته الشامتين أو تشجيعا لكيد الكائدين، وما اكثرهم في زماننا.

لقد ذهلت حين علمت ان الملا محمد عمر «أمير المؤمنين» قال لوزير الداخلية الباكستاني حين التقاه في قندهار وحدثه في شأن التمثالين البوذيين الكبيرين في «بامبان» انه حين تحين الساعة وتقوم القيامة، وتصبح الجبال كالعهن المنفوش، طبقا للوصف القرآني الوارد في سورة «القارعة» (أي تصبح في هشاشة وخفة الصوف المنفوش)، فان التمثالين سيبقيان شاخصين، وسوف يسأله الله عنهما، لماذا تركهما في مكانهما! صحيح الملا عمر لم يكمل تعليمه الديني، لكن لا اعرف كيف اقنعه «العلماء» بهذه القصة الغريبة، التي يفهم منها ان قدرة الله التي ستحول الجبال العظيمة في المنطقة (الهند كوس وكوه بابا) الى عهن منفوش، ستقف عاجزة امام التمثالين اللذين لن يصيبهما ما اصاب كل الجبال الاخرى في الكرة الارضية ذلك فضلا عن ان التمثالين منحوتان في جبل كبير، ولا اعرف كيف يقبل عقل ان ينهار الجبل كله اذا زلزلت الارض زلزالها، ثم يبقى الجزء الخاص بالتمثالين دون ان يمسه سوء، ثم لا اعرف كيف تصور الرجل انه بمقدور جماعة طالبان ان تهدم التمثالين، بينما يستعصى ذلك على القدرة الالهية! لقد استغرقت رحلة العلماء من كابول الى قندهار (450 ـ 500 كم) حوالي يوم، ونصف يوم بالسيارات، وهو ما لم استغربه استنادا الى خبرتي السابقة بذلك الطريق، وقد زفوا النبأ البشرى قبل ظهر اليوم الثاني، وابلغونا بأن اللقاء معهم سيكون بعد الغداء وان هناك ترتيبا للاجتماع بالملا عمر بعد ذلك، تأخر اللقاء الى الرابعة بعد الظهر، وعلمت أن احد اسباب التأخير ان اجتماعا عقد في قندهار بين العلماء وبين بعض عناصر طالبان، لم يتسع الوقت لمعرفة ما جرى فيه، لكنه في كل احواله كان ذا صلة باللقاء مع الوفد الاسلامي.

ملف التماثيل فرض نفسه قادونا الى قاعة فسيحة في مقر الولاية خلعنا احذيتنا قبل ان ندلف اليها، فطالعتنا المقاعد والارائك محاذية لاضلاعها الاربعة. بينما توزعت على الطاولات اطباق الحمص والزبيب والجوز والى جوارها اباريق الشاي الاخضر والاحمر والقهوة وبينما وضع على طرف كل طاولة علم ابيض صغير كتبت عليه عبارة «لا اله الا الله» بحروف سوداء، في ركن من القاعة انتصبت شجرة مورقة مصنوعة من البلاستيك، تدلت منها بعض الورود الحمراء، وفي صدر القاعة علقت لافتة كبيرة كتبت عليها عبارة «خوش آمديد» التي تعني «مرحبا بكم» في اللغة الفارسية التي هي اصل لغة البشتون في افغانستان، وتحتها كتبت بالانجليزية عبارة «ولكوم» من باب توصيل التحية للأجانب.

في الرابعة دخل الجمع، بعدما خلعوا احذيتهم ايضا، يتقدمهم رجل متوسط القامة يرتدي عمامة كبيرة ونظارة طبية انيقه نسبيا وتخللت الشعرات البيضاء لحيته الكثة، بينما يطل شعر رأسه من تحت العمامة، حين قدموه لنا، عرفنا انه الملا محمد نور ثاقب رئيس المحكمة العليا، كانوا 27 شخصا معممين وملتحين تراوحت اعمارهم بين العشرينيات والستينيات، بعضهم من رجال الافتاء والبعض الآخر من اعضاء المحكمة العليا، العمامات كلها كانت بيضاء أو اشبه الى ذلك، ولم يكن احد منهم يرتدي عمامة سوداء من تلك التي يرتديها كوادر الحركة وشبابها، رغم انهم يظلون الظهير الشرعي للحركة، اذا جاز التعبير، لذلك فانهم يمثلون الفريق الذي تحال اليه اسئلة امير المؤمنين والحكومة، وانهم جهة الاختصاص بالفتوى فيما يستشكل على الآخرين، ومن ثم منهم الذين اصدروا الفتوى الخاصة بهدم التماثيل (الاصنام) وهم الذين قرروا امورا اخرى كثيرة تعلقت بالتلفزيون والصور ولحى الرجال وازياء النساء وعملهن وتعليمهن.

الى جواري جلس شاب صغير السن نحيل القوام وخفيف اللحية، يرتدي عمامة سوداء، لاحظت انه تأبط كراسا وتأهب لتدوين النقاش الدائر، ولما استفسرت عنه قيل لى ان اسمه «طيب»، وانه السكرتير الخاص لأمير المؤمنين، الذي يفترض ان يصطحب الوفد بعد الجلسة للقاء الملا عمر، وجدته على المام باللغة العربية، وعلمت منه ان عمره 25 سنة، وانه التحق بمدرسة دينية في «كويتا» على الحدود الباكستانية الافغانية، وفي العشرين من عمره عين في سفارة طالبان لدى باكستان، وقبل سنه ونصف السنة الحق بمكتب أمير المؤمنين، الذي يضم عشرة اشخاص غيره.

بعد ان تعرف كل جانب على الآخر، بدأ الملا نور ثاقب الكلام الذي ترجمه الى العربية عبد المتين وفوجئنا به وقد دخل مباشرة في موضوع هدم التماثيل، على غير ما كان متوقعا، قال ان علماء الامارة قرروا هدم الاصنام بعدما توفرت لديهم الادلة الشرعية التي توجب ذلك، وهو امر استغرق منهم وقتا وجهدا وحوارات قلبت الامر من مختلف جوانبه، وفضلا عن تلك الادلة الشرعية فقد وجدنا ان اناسا في بلادنا قد نبذوا دينهم وتحولوا الى الشيوعية في وقت سابق، الامر الذي يعني ان امكانية الفتنة في الدين قائمة، ونحن لا نريد للافغان ان يصبحوا من شرار الخلق، حيث سيحاسبنا الله على ذلك يوم القيامة، ونحن لا نفهم تلك الضجة المثارة حولنا بسبب ما قررناه، اذ غاية ما فعلناه اننا تمسكنا بديننا وطبقنا تعاليمه، اننا لم نعتد على احد ولم نظلم احدا، وانما تصرفنا بوحي من عقيدتنا وفي حدود بلادنا، ونحن نعلم انهم حانقون علينا في الخارج ولا يكلون من الكيد لنا بسبب اصرارنا على اقامة الدين في البلاد، ولذلك اصبح الدين هو محور خلافنا مع الآخرين.

معنى الفتوى وموازنات الواقع بهذا الخطاب وضع الملا ثاقب موضوع التمثالين على الطاولة، وفرضه على رأس النقاش في الجلسة، لذلك فانه اصبح محورا للمداخلات التي تحدث فيها اكثر من واحد من اعضاء الوفد، بينما كان الملا ثاقب ظل المتحدث الوحيد في الجانب المتعلق بالعلماء وقد تتابعت المناقشات على النحو التالي:

* د. يوسف القرضاوي: نحن لم نجئ الى هنا من اجل التمثالين، خصوصا ان الامر قد قضي كما علمنا لكننا اتخذنا من القضية مناسبة وتكئة لكي نتعرف على اوضاع الشعب الافغاني المحاصر، ولكي نتشاور ونتناصح في ما يحقق الخير للامة وللمسلمين، لكن لي بعض الملاحظات على ما ذكرته بالنسبة لموضوع التمثالين وقرار هدمهما، لان الفتوى لا تقوم فقط على تحديد الحكم الشرعي، وانما تقوم بذات القدر على موازنات الواقع واولوياته حتى تتحقق منها المصلحة المرجوة للمسلمين، واذا القينا الى ذلك الواقع فسنجد ان حكومة طالبان لها اكثر من مشكلة مع الغرب، وفي عداء ضده، لكنها بقرار هدم التماثيل وضعت نفسها في اشكال آخر مع دول الشرق التي تشكل البوذية ركنا اساسيا في بنيانها العقيدي والثقافي. واخشى ما اخشاه ان يؤثر ذلك سلبا على مصالح المسلمين في افغانستان الذين هم بحاجة الى العون، وتلك الدول هي المرشح الاول لتقديم ذلك العون.

ايضا فانه من المهم للغاية ملاحظة تأثير تلك الخطوة على ملايين المسلمين الذين يعيشون كاقليات في اقطار بوذية أو هندوسية من اليابان الى تايلاند وسري لانكا وبورما وصولا الى الهند، وانتم تعرفون ان الهندوس قاموا بتمزيق بعض المصاحف في الهند، وان اشتباكات وقعت بسبب ذلك سقط فيها قتلى وجرحى.

من ناحية اخرى فينبغي ألا ينسى قول النبي عليه الصلاة والسلام للسيدة عائشة: لولا اهلك حديث عهد بالاسلام لبنيت الكعبة على قواعد ابراهيم. وكلمة «لولا» هذه جاءت تجسيدا للموازنة التي تدعو اليها، فالنبي يعرف الصواب جيدا، ويدرك مغزى وقيمة اعادة بناء الكعبة على القواعد التي ارساها سيدنا ابراهيم، ومع ذلك فانه لا يقدم على ما يراه صوابا وحقا، لخشيته من ان يفتن الناس في عقيدتهم وهم حديثو عهد بالاسلام، ولأجل ذلك فانه اثر ان يبقى الامر كما هو عليه تجنبا للمفسدة واتقاء للفتنة.

واذا عدنا الى كتاب الله سنجد حجة اخرى مهمة، فالاية القرآنية تقول: «ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم»، والمقصود هو سب التماثيل وعلة النهي معروفة، حيث ذلك السب اذا وقع فانه سيرتب ضررا اكبر، باعتبار ان الآخرين قد يتطاولون فيسبون الله سبحانه وتعالى، فاذا كان سب التماثيل منهيا عنه، فما بالكم بتحطيمها؟

* الملا ثاقب: السؤال الاهم هو، هل الامل في الموقف الشرعي هو هدم الاصنام أم الابقاء عليها. ذلك ان ما نعلمه من القرآن الكريم هو ان هدمها لا تراجع عنه، وفي قصة سيدنا موسى انه قال عن العجل الذي عبده بنو اسرائيل «لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسلجرا

* الشيخ القرضاوي: انا حنفي مثلكم، واعرف ان الاصل هو هدم الاصنام، لكن هناك فرقا يتعين الانتباه اليه بين الحكم والفتوى، فالأول هو الرأي الشرعي مجردا، بينما الفتوى هي تنزيل الحكم على الواقع، الامر الذي يطرح الموازنات والاولويات التي تحدثنا عنها، فسب التماثيل مشروع كحكم، ولكنه اذا ادى الى التطاول على الذات الالهية فيجب الامتناع عنه، لان هنا ضررا اكيدا ينبغي تجنبه، ومن ثم فاذا ادى هدم التماثيل الى الاضرار بمصالح الاقليات المسلمة وتمزيق المصاحف، فالمفسدة هنا ستكون اكبر، وينبغي العدول عن الهدم.

صبرنا خمس سنوات

* الملا ثاقب: لقد صبرنا على تلك الاصنام من خمس سنوات، ولم يعد بمقدورنا ان نبقي عليها أو نتساهل في بقائها من ذلك، والعالم الذي تتحدثون عنه هو عدونا في كل الاحوال، هدمنا الاصنام أم لم نهدمها، وامتناعنا عن الهدم لن يغيرشيئا من موقفه ازائنا.

* الشيخ القرضاوي: نحن نعلم ان الغرب يقف ضدكم ويتربص بكم، ومن اهداف زيارتنا هذه ان نعبر لكم عن تضامن المسلمين معكم والاحتجاج على الحصار الظالم المفروض على شعب افغانستان في ظروف الحرب والجفاف المفروضة عليه، وقد تمنينا ان تمتد جسور التشاور بينكم وبين غيركم من علماء المسلمين في خارج البلاد، خصوصا في الامور التي ينعكس اثرها على الامة، فمثل هذا التشاور يرفع الحرج عنكم ويتيح لعلماء المسلمين التعبير عن تضامنهم معكم في خطواتكم.

* الملا ثاقب: لقد اعتبرنا مسألة هدم الاصنام فرعا في تطبيقنا لشريعة الاسلام التي التزمنا بها امام الناس وامام الله، فكما طبقنا الحدود والقصاص، خطونا تلك الخطوة للتخلص من الاصنام التي وجدناها تعبد من دون الله، وهذه مسألة داخلية لا تحتاج الى مشاورة وتعرفون ان ابن القيم دعا الى تحطيم الاصنام دون هوادة، ولدينا الشهود الذين اكدوا ان بعض الاجانب يأتون الى تلك الاصنام لكي يتعبدوا عندها ويسجدون ولذلك لم يكن هناك مبرر للتردد في تحطيمها، بحسبان ان ذلك واجب شرعي، ننفذه التزاما بالتعاليم، ولا نقيس امرنا أو نبني حكمنا على فعل الغابرين، حيث تقصيرهم في ذلك لا يعد حجة علينا.

* الدكتور القرضاوي: ما يستحق التفكير هو الملاءمة والمصلحة في القرار، وازاء الاضرار التي تلوح في الافق، والتي تصيب بالاذى مصالح الشعب الافغاني واوضاع الاقليات الاسلامية في آسيا، فربما كان مناسبا ان يوقف المضي في الهدم، لتهدئة العاصفة خصوصا انكم قطعتم الشوط الاكبر في ما قصدتموه.

* الملا ثاقب: اذا ابقينا أي جزء من الاصنام فمعنى ذلك اننا لم نلتزم بالفتوى، ونحن لا نريد ان نترك الامر معلقا، لذلك فمن الافضل المضي في الطريق حتى نهايته، والمحو الكامل لتلك الاصنام، علما بأن العالم لن يرضى عنا أو يرحمنا في كل الاحوال.

* الدكتور القرضاوي: ان سيدنا موسى عليه السلام حين عاد الى قومه بعد غياب، ووجدهم يعبدون عجلا من دون الله (كما تذكر سورة طه)، عاتب اخاه هارون وعنفه، لكنه سكت عليه وتفهم موقفه حين قال له: اني خشيت ان تقول فرقت بني اسرائيل ولم ترقب قولي، وبطبيعة الحال فان سيدنا موسى كان رافضا فكرة عبادة العجل من دون الله، لكنه قدر في اخيه حرصه على عدم اذكاء الفرقة بين الناس وسد ابواب الفتنة وتحقيق الوحدة بين القوم، هنا ايضا موازنة جديرة بالاعتبار، وقد ذكرت لكم ان شواهد الفتنة التي منها الاضرار بمصالح المسلمين في الهند مثلا تبدو ظاهرة للعيان الان، وليس من حقكم ان تضروا اخوانكم، واذا كان العالم يكيل بمكيالين فيسكت على هدم المساجد واثار المسلمين في الهند والبوسنة أو يسكت على قمع المسلمين في فلسطين والشيشان وكشمير وغير ذلك، فادانة ذلك الموقف واجبة، لكننا ينبغي الا نقابل الاساءة باندفاع يضر بمصالح الامة اكثر مما ينفعها.

العالم الاسلامي قصَّر حقا

* احمد عبد الله آل محمود (وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية): نحن نشعر بأن ثمة تقصيرا من العالم الاسلامي في حقكم والمهمة الاساسية لهذا الوفد هي الوقوف الى جانبكم ومساعدتكم في الظروف الراهنة التي تشتد فيها الحملة عليكم والسبيل الى تحقيق ذلك يكون بالتشاور والتناصح الذي احسب انه يمكن ان يثمر الكثير في المستقبل باذن الله، وفي الوقت الراهن فمن المهم ان يفتح باب الحوار مع العالم الاسلامي، وان نمد الجسور بين افغانستان وبين الدول الآسيوية المجاورة وفي المقدمة منها الصين واليابان التي لا احسب انها تكن عداء لكم مثل دول اخرى، ومن المهم الا نوضع اية عقبات في هذا الاتجاه وارجو الا تكون القرارات الاخيرة سببا في تعكير الصفو المرجو لتلك العلاقات. في الوقت ذاته فانني اعبر عن قلقي كما ذكر الاخوان بالنسبة للاقليات الاسلامية في الدول الآسيوية مثل الهند وغيرها من جراء الخطوات التي تقررت هنا في صدد التماثيل البوذية.

* الملا ثاقب: الحل الوحيد للخروج من المشكلة ومواجهة المظالم الغربية يكون بتحقيق الوحدة الاسلامية ـ اذ بغير هذه الوحدة سيكون بوسع قوى الظلم في العالم أن تنفرد بكل قطر اسلامي، وتحاول قهره وافتراسه. في الوقت ذاته فنحن احوج ما نكون لاحياء روح الجهاد في نفوس شعوبنا، لكي تكون مستعدة للبذل في سبيل الله دفاعا عن دينها ووجودها، ونحن نتمنى ما سمعناه لا ريب، وقد تمنينا ان يزورنا اخواننا حين فرض علينا الحصار الاقتصادي الذي اريد به اذلال شعبنا والنيل من كرامته.

* الشيخ عبد القادر العماري (نائب رئيس محكمة النقض في قطر): بخصوص هدم التماثيل: فهناك فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وقعت عليها واحب ان يطلع الاخوان عليها، وهي تحت رقم 3201 في المجلد الاول الخاص بالعقيدة، من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء، تقول الفتوى عن التماثيل: على ولاة الامور هدمها. كل ذلك اذا لم يخش من هدمها اثارة فتنة لا يستطاع اطفاؤها والقضاء عليها. فان النبي عليه الصلاة والسلام لم يزل الاصنام التي كانت في الكعبة والتي في داخلها اول الامر، مع دعوته الى التوحيد وتسفيه احلام المشركين لعبادتهم الاصنام، فلما قوي المسلمون ازالها عام فتح مكة.

رسالتا تأييد من السعودية

* الملا ثاقب: وصلتنا رسالتان من اثنين من علماء السعودية، ساندت ما افتينا به وباركته، ودعت علماء المسلمين كافة الى تأييد ما ذهبنا اليه باعتباره معينا على اقامة شعيرة التوحيد.

كان الملا عبد الجليل نائب وزير الخارجية قد جاءنا بنسخة مصورة للفتوى التي بعث بها الى قندهار عبر «الفاكس» فضيلة الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي من علماء «القصيم» في المملكة العربية السعودية، وقد بحثت الامر في صفحة من القطع الكبير، واعتبرت ان «كسر الاوثان» واجب شرعي واحياء لسنن الرسل وثنى عليها الشيخ علي بن خضير الخضير (من القصيم ايضا) في رسالة اخرى بعث بها، وذكر فيها ان التوحيد «لا يتم ولا يصح الا بتحطيم الاوثان والاصنام، والكفر بالطاغوت ومعاداته واهله ومنابذتهم وبغضهم»، واعتبر ان «ما ذكره شيخنا حمود حفظه الله» في فتواه من ادلة وبراهين فيه كفاية وغنية لمن اراد الحق».

* الشيخ الدكتور فريد واصل، مفتي مصر: اننا نقدر اخلاصكم للعقيدة وموقفكم الصلب في الدفاع عنها، وسيظل التاريخ يذكر لكم جهادكم الذي هزم الشيوعية وزلزل اركان معسكرها حتى تفكك وسقط في نهاية المطاف، وينبغي الا يغيب عن البال لحظة ان مصلحة الاسلام والمسلمين هي الهدف الذي نلتقي ونحرص عليه جميعا، ولا يشك احد في ان اجتهادكم تحرى تلك المصلحة وانطلق منها، وانتم مأجورون على ذلك باذن الله. ولان الذكرى تنفع المؤمنين، فانني اذكر الجميع بالقاعدة الشرعية الاصولية التي تعتبر ان سد الذرائع مقدم على جلب المصالح والادلة الشرعية ليست هي موضوع المناقشة في موضوع هدم التماثيل، ولكن ما يحتاج الى حوار واعادة نظر هو الموازنة بين المصالح والمفاسد المترتبة على الفتوى، ورجحان كفة اي منهما ينبغي ان يكون الفيصل في التنفيذ من عدمه.

استشهادات مردود عليها

* الدكتور محمد هيثم الخياط (كبير مستشاري المدير الاقليمي لمنظمة الصحة العالمية): اريد ان اعلن على بعض الاستشهادات التي تم الاستناد اليها في هدم التماثيل، فقول سيدنا موسى عن العجل الذي عبده بنو اسرائيل «لنحرقنه ثم لننسفنه... الخ» الذي فهم منه ضرورة تحطيم الاصنام، يقابله ما ذكره القرآن من ان سيدنا ابراهيم الذي كان اول من حطم الاصنام، حينما اقدم على ذلك فانه «فجعلهم جذاذا الا كبيرا لهم» وهو حين ترك اكبر الاصنام اراد ان يحقق بذلك مصلحة تمثلت في تنبيه قومه الى الخطأ الذي يقترفونه بعبادة الاصنام، ذلك يعني ان ترك الاصنام جائز اذا وجدت مصلحة تقتضي ذلك، ومثل ذلك ان توجد مفسدة بتحطيم الاصنام يجب درؤها في هذا الصدد فينبغي ان نلاحظ ما ذكره القرآن عن مرور بني اسرائيل عند خروجهم من مصر بقوم يعكفون على اصنام لهم، ومطالبتهم سيدنا موسى بأن يجعل لهم إلها كما لهم آله، ماذا كان رده؟ انه لم يقم بتحطيم الاصنام، ولا حتى بدعوة الذين يعبدونها الى التوحيد، وانما وبخ قومه ووصفهم بأنهم يجهلون، ثم ذكرهم بفضل الله عليهم.

* الشيخ محمد الراوي (عضو مجمع البحوث الاسلامية): الذين قدموا في هذه المجموعة جاءوا لكي يدفعوا عنكم الشر الذي اريد بكم وهم ضد الاصنام بلا منازع، كما انهم يرون عواقب هدمها ومدى الاضرار التي يمكن ان تصيب العالم الاسلامي من جرائها، الامر الذي يضعنا مباشرة امام ما حذرنا منه القرآن الكريم حين قال: «ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم». والمقصود بالآية لا تسبوا الاصنام فيرتد عليكم ضرر اكبر يتمثل في سب الله تعالى، وهذا ما حدث بالفعل في الهند، ولذلك فالدعوة الى التريث واجبة، ونحن في ذلك بحاجة الى مساعدتكم، والتماثيل التي يبول عليها الكلاب لا تستحق ان يضار احد من المسلمين من جراء هدمها.

* الملا ثاقب: المسألة تتعلق بالتوحيد، ونحن لا نكاد نجد دليلا شرعيا واحدا يؤيد الابقاء على الاصنام.

* الدكتور هيثم الخياط: كل الادلة القرآنية التي قيلت في تسويغ الهدم، مردود عليها باسانيد اخرى من القرآن لا تجعل من الهدم امرا حتميا أو مطلقا، وانما تضع مصلحة المسلمين في مرتبه اسبق فاذا تعارض الهدم مع المصلحة أو اضر بها قدمت المصلحة والنص الوحيد الذي يبدو حاسما في الدعوة الى الهدم بعامة منسوب الى سيدنا علي بن أبي طالب، وهو يخص الجزيرة العربية بالدرجة الاولى، ومن اراد ان يلتزم به فينبغي ان يعمل النص كله، بما في ذلك شقه المتعلق بهدم المزارات والأضرحة.

لهذا لم يتم اللقاء تواصل الحوار على مدى ساعتين، وفي الساعة السادسة مساء كان كل طرف قد اسمع الآخر ما عنده، الامر الذي رأى فيه الجميع انه قد آن الاوان لفض الجلسة، بأمل استمرار التواصل في المستقبل.

واذ انتهت الجلسة في السادسة، فان وفدنا واجه موقفا حرجا، حيث كان مقررا ان يلتقي الجميع بعد اللقاء مع الملا محمد عمر امير المؤمنين، وفي الوقت ذاته كان علينا ان نلحق بالطائرة التي لم يكن بمقدور قائدها ان يتأخر عن السادسة والنصف، حيث لا بد ان يقلع قبل الغروب، لسبب متعلق بتجهيزات الاضاءة في مطار قندهار، من ناحية اخرى فانه ما كان له ان يبت في قندهار، أو ان يطير الى الدوحة ثم يعود منها في اليوم التالي، كما حدث عقب وصولنا، لسبب لم اكن منتبها اليه، وهو ان تصريح النزول في مطار قندهار الذي صدر عن الامم المتحدة كانت مدته 48 ساعة فقط (طبقا لقرار مجلس الامن الصادر في يناير (كانون الثاني) 2001 فانه يمنع تسيير أي رحلات جوية الى افغانستان، الا في حالات الضرورة، وبأذن من الامم المتحدة).

الخلاصة ان لقاء الملا عمر ولو لمجرد المصافحة والقاء السلام، كان يعني الا نلحق بالطائرة قبل اقلاعها في الموعد المضروب، واذا اقلعت بدوننا، فينبغي ان يصدر لها تصريح جديد من الامم المتحدة للهبوط في مطار قندهار، واجراءات اصدار ذلك التصريح تستغرق يومين على الاقل، لذلك لم يكن امامنا خيار، وتعين علينا ان نلحق بالطائرة قبل السادسة والنصف، حيث لم يكن امامنا سوى ثلاثين دقيقة فقط، وهي المدة المطلوبة للوصول من المدينة الى المطار.

بسبب من ذلك فلم يكن هنا مفر من الاعتذار عن موعد لقاء امير المؤمنين مع التعبير عن الشكر والتطلع الى لقاء آخر في مناسبة افضل وفرصة اطول وهذا ما كان، وبعد اسدل الستار على الرحلة، وان بقي المشهد الاخير منها معلقا!