خطوة ناقصة

TT

واشنطن تسرب، ولندن ترحب، بما وصفته صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، بمقاربة مستجدة على حرب الولايات المتحدة على الارهاب تنطلق من منحيين جديدين:

الاعتماد على جهد جماعي لا أميركي ـ بريطاني، أو انغلوساكسوني فحسب، في هذه المواجهة.

التعامل مع الخلفية الايديولوجية للمواجهة عوض استمرار التركيز على وسيلة القمع العسكرية فقط.

ويبدو، استنادا الى معلومات الصحيفة، ان فيليب زيليكو، المستشار الخاص لوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، باشر فعلا محادثات تنسيق استراتيجية المواجهة الجديدة، مع باريس ولندن، مبديا استعداد واشنطن لتوسيع رقعتها ـ بحيث تضم اليها الدول، التي تسميها «دولا اسلامية معتدلة»، من جهة، والتعامل، من جهة اخرى، مع ما يسميه رئيس الحكومة البريطانية، توني بلير، «بجذور الارهاب».

خطوة أميركية واقعية، وإن متأخرة، في الاتجاه الصحيح، وخطوة لا يخفى «التأثير» البريطاني في اتخاذها، بعد أن أصبحت لندن ايضا، ضحية عولمة الارهاب، وبعد أن عاد رئيس الحكومة البريطانية، الى إدراج موضوع التعامل «مع جذور الارهاب»، في استراتيجية المواجهة القائمة معه.

مع ذلك تبقى خطوة ناقصة لجهة استمرار تقديمها، ما تعتبره «الخلفية الايديولوجية» للارهاب ـ أي الاسلام ـ على الخلفية السياسية الفعلية لهذا الارهاب.

قد تكمن ايجابية التحول الأميركي في ما يعكسه من قناعة متنامية، بأن الحرب على الارهاب معركة طويلة الامد، لا تحسم بوسائل عسكرية فحسب، وما يوحيه عن عودة ـ خجولة حتى الآن ـ إلى منطق العلاقة السببية بين الظاهرة ورد الفعل. وبقدر ما سيظهر هذا التحول من تجاوز واشنطن لمفهومها الكلاسيكي للارهاب «كقضية» بحد ذاتها، إلى اعتبارها «وسيلة» يستوجب اجتثاثها من جذورها التعامل مع خلفيتها السياسية، يمكن العودة الى التفاؤل في النتيجة النهائية للحرب على الارهاب.

من هذا المنظور، يبدو التحول الاستراتيجي الأميركي واقعيا، إن لم يكن مطلوبا. ولكن الحلقة المفقودة ـ أو المغيبة عمدا ـ عن هذه الاستراتيجية، تبقى رفض ادارة الرئيس بوش، الاعتراف بأن أحد «دوافع» الارهاب، الذي تنعته «بالاسلامي»، هو دعمها اللامتناهي لإسرائيل، فإذا كانت الساحة الرئيسية لعمليات العنف السياسي اليوم، هي الساحة الاسلامية (من فلسطين إلى جمهورية الشيشان، الى العراق إلى افغانستان..)، فإن الاستنتاج بأن العنف السياسي نتاج «الأيديولوجية الاسلامية»، استنتاج يسقط من منطقه دوافع العنف المماثل، الممارس على الساحات غير الإسلامية (مثل عمليات الانفصاليين الباسك في إسبانيا، والجمهوريين الأيرلنديين في بريطانيا، ونمور التاميل في سري لانكا..)، واستنتاج يتجاهل أيضا أن «ازدهار» ظاهرة العنف السياسي في العالم الاسلامي يعود، بشكل أو بآخر، إلى ما خلفته عهود الاستعمار الطويلة من مشكلات عالقة، على الساحتين الاسلامية والعربية، وابرزها قطعا القضية الفلسطينية.

وإذا كان يصعب فصل شعور إدارة بوش، بأنها تخسر دعم الرأي العام الأميركي لحربها في العراق، عن التحول المستجد على استراتيجية حرب الارهاب، فالأصعب من ذلك توقع اعترافها بأن سياستها الإسرائيلية، عامل رئيسي في تزكية الأرهاب، طالما أن الرأي العام الأميركي، لم يتوصل بعد الى هذه القناعة... وطالما أن توني بلير، لم يتوصل بعد الى إدخال «الحالة الفلسطينية»، في صلب تحالفه مع إدارة الرئيس بوش.