العراق .. وفروسية الملوك من آل سعود

TT

قلة هم الرجال او الفرسان الذين يحكمون ويساهمون بصنع تاريخ الانسانية بوجهه الناصع .. هكذا كان المغفور له خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل فهد بن عبد العزيز. فارس من طراز متميز وصانع تاريخ وحامل راية سلمها بأمانة لأخيه الفارس الملك عبد الله بن عبد العزيز.

وراية المملكة العربية السعودية هي راية كل العرب والمسلمين، راية تحمل كل معنى تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، وبالتالي تختصر قيمنا النبيلة في زمن تتكالب فيه قوى الشر والعدوان على امتنا العربية والاسلامية المجيدة.

كان الملك فهد، رحمه الله، صانع تاريخ حقيقي، لم يصنع مفردات هذا التاريخ قولا او كمأثورات وحكم فحسب، بل كان يؤسس ويبني ويوجه ويمضي الى امام ليمنح دروسا قيمة في معنى القائد القوي والشجاع والكريم والمتواضع في آن واحد.

لقد لمست كرم ونبل الملك فهد قبل ان التقيه بسنوات طويلة. وعشت حرصه ومحبته لعائلته العربية والاسلامية اينما كانت، وليس غريبا على سليل أنصعِ القبائل العربية شرفاً وعزاً ان يكنّى بالكريم والنبيل.

لمست كرمه يوم اجتاح صدام حسين الكويت، ومن ثم وجه سلاحه الى صدور شعبه في انتفاضة آذار عام 1991، وبدلا من ان يصالح شعبه ذبح الالوف منا، فما كان من غالبية من العراقيين إلا ان تقودهم خطاهم وعقولهم الى ارض المملكة العربية السعودية بعد ان ضاقت بهم الدنيا واغلقت بوجوههم الابواب إلا باب الموت الذي فتحه صدام حسين .

فكانت ارض السعودية كريمة مثل اهلها، ومعطاءة مثل قائدها، فجمعهم قدر المحبة في مدينة رفحا السعودية حيث جاءت توجيهات الملك فهد سريعة وحاسمة باستقبال ابنائه من العراقيين وتوفير كل مستلزمات الحياة الكريمة لهم وعدم اشعارهم بالغربة والذل، على عكس ما عوملوا به في مخيمات اللجوء الاقليمية غير العربية إذ ذاقوا مرارة الذل وطعم الهوان هناك، اما اشقاؤهم ممن وفقهم الله وهداهم الى اراضي المملكة العربية السعودية فقد وجدوا انفسهم وكأنهم في بيتهم.

لقد زرت مدينة رفحا، التي ضمت اللاجئين العراقيين هناك مرات عدة، وسعدت ان ابناء وطني لم يتعرضوا للذل او للابتزاز. وحسب توجيهات خادم الحرمين الشريفين فان الضروف الحياتية التي توفرت للعراقيين في رفحا جعلتهم يعيشون بكرامتهم، اذ تم توفير السكن المناسب والاسواق والمدارس والمساجد والمراكز الصحية، وكانت المفاجأة توفير اجهزة الكومبيوتر التي لم يكن شبابنا قد اعتادوها لاحتكارها في العراق من قبل المؤسسات المخابراتية ولابناء مسؤولي النظام الصدامي.

تجربة مدينة رفحا رسمت لي ولسواي من العراقيين الذين عاشوا تلك التجربة، والذين ما زالوا يشعرون بالعرفان لكرم القيادة السعودية، سعة صدر القيادة السعودية التي كان يقف على رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، رحمه الله.

اقول كان فارسا من طراز متميز، وصانع تاريخ لبلده وللعرب والمسلمين، وبالتالي امتدت انجازاته على سعة المعمورة. غير هذا، كان رجل الحكمة النيرة والنصيحة الحسنة التي لم يبخل بها على احد من اجل خير امته العربية والاسلامية.

وكلنا يتذكر نصائحه القيمة للنظام العراقي خلال وبعد اجتياح صدام للكويت، كنا وقتذاك نتمنى وندعو الله تعالى ان يستمع صدام لهذه النصح ويستجيب لصوت العقل والحكمة الصادر من ضمير الامة وصوتها النقي الملك فهد الذي كان يؤمن «انما الدين النصيحة» وانه كان ينطلق من مبادئه العربية وتعاليم الاسلام الحنيف، ليحفظ الله العراق والعراقيين من الهاوية التي قادنا اليها النظام السابق.

ولو كان صدام قد استمع لصوت الحق وعمل بنصائح الفارس الملك فهد لما كان العراق قد وصل الى ما عليه هو الان، بل لأنقذ المنطقة من تدخل الجيوش الاجنبية وحمى الاقتصاد القومي من هدره على الحروب والاسلحة التي استخدمها صدام لقتل شعبه وابناء المنطقة.

لقد حرص الملك الراحل على الشعب العراقي وبقي وفيا لمحبته وحرصه هذا، وعندما وجد ان النظام الذي كان يحكم العراق قد سد آذانه بالطين وبالقير توجه خادم الحرمين الشريفين الى الخيرين من العراقيين الذين عارضوا وحاربوا النظام السابق فقدم لنا الدعم المطلق.

في السنوات الاولى من معارضتنا لنظام صدام كنت اناضل مع تنظيم «المجلس العراقي الحر» بزعامة الاخ سعد صالح جبر، وكان المغفور له الملك فهد يدعم هذا التنظيم الى جانب دعمه لبقية قوى المعارضة الحقيقية وكنا نعمل بفضل دعمه لنا بل كنا نساعد اخوتنا في الداخل ماديا بفضل كرم الملك فهد. غير هذا، كان يرعى على ارض المملكة العربية السعودية شخصيات عراقية وطنية لجأت الى حمى خادم الحرمين الشريفين من بطش النظام الصدامي ولقيت كل الحفاوة والتكريم، فقد كان الملك فهد يتصرف بروح واخلاق الفرسان العرب الذين لا يردون من يلتجئ اليهم ولا يعرضونه للمخاطر فرفضت القيادة السعودية طلبات النظام السابق بتسليم بعض المعارضين المقيمين على اراض المملكة السعودية وتحملت الضغوط حفاظا على مبادئ العشيرة وروح الفروسية واخلاق الصحراء.

كنت من المحظوظين القلائل الذين التقوا الملك فهد، فقد استقبلنا العام الماضي عندما كنت وزيرا للدفاع وعضوا في وفد الحكومة العراقية، وما زلت اتذكر كلماته ونصائحه التي قالها لنا بالرغم من مرضه حرصا على العراق والشعب العراقي وعلى مستقبل العراق، قلت في سري آنذاك «الله، ما اروع هذا القائد الذي يتحدى مرضه وألمه ليوصل لنا رسالة واضحة وينصحنا خيرا ببلدنا وبشعبنا كونه يستشعر همومنا وهموم مواطنينا».

هكذا هي صفات الفرسان من صناع التاريخ، فرسان الكلمة والفعل، وهذه هي حكمة القادة الحريصين على شعبهم العربي والاسلامي في أي بقعة كانت. كنت استمع اليه واتخيله فارسا قادما من عمق التاريخ العربي الاسلامي النبيل ليبشر هذه الامة بالخير والحياة الكريمة السعيدة.

عزاؤنا في ان راية الملك فهد، رحمه الله، انتقلت الى اياد وشخصيات لا تقل اخلاصا وحكمة وفروسية منه. عزاؤنا ان يرعى هذه الامة الملك عبد الله بن عبد العزيز هو وولي عهده الامين صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبد العزيز.

لقد كان الملك عبد الله بن عبد العزيز مخلصا لمبادئ العائلة المالكة في المملكة العربية السعودية والمحافظ على قيمه في الشجاعة والنبل لدعم قضايا الامتين العربية والاسلامية، وبخاصة دعم قضية الشعب العراقي.

ومثلما عاهدناه يوم التقينا الملك عبد الله بن عبد العزيز العام الماضي، وكنا برفقة الاخ اياد علاوي ، الرئيس السابق للحكومة العراقية، باننا سنقف صفا واحدا لمحاربة الارهاب، فاننا نقول لجلالته ولولي عهده الامين وللشعب السعودي الشقيق ان العراقيين سيقفون في الصف الاول من جبهة محاربة الارهاب والارهابيين ولنصد عن ارضنا في السعودية والخليج رياح الشر.

رحم الله فارسنا الذي رحل وترك خلفه سلسلة من الانجازات التاريخية التي ستخط اسمه ضمن العظماء في تاريخنا العربي والاسلامي، ولينصر الله تعالى الملك عبد الله بن عبد العزيز ويسدد خطاه مع صاحب السمو الملكي ولي العهد الامير سلطان بن عبد العزيز وهما يواصلان صناعة تاريخ امتينا العربية والاسلامية.

* وزير الدفاع العراقي السابق