عبد الله بن عبد العزيز .. الحاكم .. والإنسان

TT

ولد الملك عبد الله سنة 1343هـ ، وتربى كباقي إخوته في محاضن المجد والقيادة ، وتدرب في متارس السؤدد والسياسة .. ليجمع بين ذؤابتي المجد، وخاصرتي الأصالة . كيف ؟ وهو من تربى في كنف والده الملك المؤسس.. وتخرج من مدرسة هذا الوطن.. وتدرب في محاضنه ..

لذلك فقد كان حريصا على تأكيد علائق الوحدة الوطنية بين مواطنيه .. وتلمُّس مشاكل بنيه وإخوانه من أفراد شعبه بصورة مباشرة .. ومن دون أن يشعر بخجل من مواجهة الواقع.. ومن دون أن يعيش خوفا وهميا من مجابهة الحقيقة ، ليعلن وبكل وضوح عزمه على مواصلة الإصلاح، التي أوضح وبدون مواربة في العديد من المناسبات بأن : المطالب الإصلاحية ما هي إلا مطالبه، وبأنه حريص على تحقيقها وفق منهجية سليمة .. تعتمد الشفافية سبيلا، والحوار منهجا.. ليكون ذلك سمة حضارية، تُميز أبناءه وإخوانه من أفراد شعبه ومواطنيه عن غيرهم ..

حتى .. لا يتحول الشعب السعودي إلى مختبر لإجراء التجارب عليه بحسب قول الأمير سعود الفيصل في أحد مؤتمراته الصحفية.

لقد توجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله وبشفافية كاملة لقضية معالجة الفقر في وطنه ، فكان سعيه ـ بعد زيارته الشهيرة في شهر نوفمبر سنة 2002 إلى تلك الأحياء البسيطة ، ومواساته لأهلها ، وملاطفته لهم ـ إلى تأسيس الصندوق الخيري لمعالجة الفقر ، الذي أسند رئاسة مجلس إدارته إلى وزير العمل والشؤون الاجتماعية ، والهادف إلى الإسهام في مواجهة مشكلة الفقر ، وإصلاح الأحوال الاجتماعية للفقراء ، من واقع :

* دعم المشروعات الاستثمارية العاملة على تحسين مستوياتهم الاجتماعية.

* وتشغيل الأفراد والأسر بالشكل الذي يكفيهم مؤونة السؤال ، وبما يكفل تحسين أوضاعهم المعيشية.

* إضافة إلى العمل على تقليص حد البطالة ، عبر تنمية القدرات الوظيفية للمواطنين ، وإصدار التشريعات القانونية العاملة على ذلك.

هكذا سار الملك عبد الله في سياسة رعيته ..

حيث وفي ظل ما يعيشه العالم من توتر .. وفي الوقت الذي ثارت فيه الخلافات الطائفية .. والصراعات القبلية .. وحين تدهورت العلاقة الوجدانية بين الشعوب وحكامها .. حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ومنذ نيابته لأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد، يرحمه الله ، على تأكيد ما يعيشه هذا الوطن من لحمة متماهية .. وحميمية شعبية بين مختلف المناطق.

واقتناعا بأهمية الدور المناط بمجلس الشورى ، وضرورة مشاركته الفاعلة في صناعة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي .. المحلي والدولي .. فقد حرصت القيادة، بناء على توصية من ولي العهد في حينه، على تعيين أحد أعضائه وهو الدكتور سعود بن سعيد المتحمي بتأريخ 29/10/1424هـ وزير دولة وعضو مجلس الوزراء لشؤون مجلس الشورى ، ليتولى مهام الربط الكلي والمباشر بين ما يطرحه مجلس الشورى من أفكار ورؤى ، وبين ما يقرره مجلس الوزراء .. الأمر الذي يحقق جدية التواصل بين المجلسين ، بالصورة التي تخدم الصالح العام ، وبالشكل الذي يتخطى كثيرا من العوائق البيروقراطية والبروتوكولية. والأمر كذلك مع رجال المال والأعمال .. حيث أدركت الحكومة برعاية ولي العهد الأمير عبد الله في حينه ، أهمية دورهم البارز في التنمية والنهضة .. فكان حرصه الواضح على تقليص الفجوة بينه وبينهم .. من خلال تعيين عبد الله أحمد زينل ، وهو أحد رجالات الاقتصاد وبارزيه وزير دولة وعضو مجلس الوزراء .. ليمثل مجلس الغرف الصناعية والتجارية في الحكومة من جهة .. وليشارك في التخطيط المباشر وهيكلة التنمية بصورة فاعلة .

وفي سبيل تعزيز القدرات المحلية لمواجهة مختلف التحديات.. فقد توجه الملك عبد الله إلى مقام أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد في حياته، يرحمه الله ، بهدف الموافقة على إنشاء مركز للحوار الوطني .. فكانت الموافقة السامية بتأريخ 24/5/1424هـ على إنشاء : مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني ، الذي أخذ على عاتقه مناقشة مختلف القضايا والهموم .. وانطلاقا من السبيل ذاته، أعلنت المملكة عن البدء في إجراء أول انتخابات محلية بلدية .. تهدف إلى تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني ، وتعزيز روح المشاركة الشعبية..

ثم كان ما كان من أعمال الإرهاب والتدمير .. وسفك دماء الأبرياء من أبناء وطنهم .. من دون أن يراعوا حرمة لأب وأم ، وأخ وأخت ، وابن وابنة ، وجار وجارة ، وزائر وضيف ، وقبل ذلك ، ولي أمر فرض الله طاعته .

وإزاء ذلك ، كان لا بد للحزم أن يأخذ مجراه .. وللقوة الأبوية أن تخرج من حنوها ، حفاظا على الأنفس ، وبترا للفساد .. وهو ما أعلنه الملك عبد الله وبقوة في العديد من المناسبات .. وأكد عليه في الكثير من المواقع التي استقبل فيها أبناءه وإخوانه .. الذين أعلنوا مساندته ، والوقوف معه يدا واحدة ضد الإرهاب .. حماية للوطن وأمنه، ودفاعا عن مقدراته ومكتسباته.

وتجاوبت القوى الأمنية مع هذا القرار الحازم ، حيث حرصت بداية على فتح باب الحوار معهم عبر قنوات الإعلام ، وفضاء الإنترنت، وبذلت أقصى جهودها لإعادة تأهيل الكثير من المتعاطفين مع الزمرة الفاسدة من المتشددين، وتحقق النجاح بحوله وقوته مع كثير من أبنائنا، وهو ما أعلنه القائمون على الأمر خلال ندوات المؤتمر العالمي الذي نظمته المملكة لمكافحة الإرهاب ، المتزامن مع الحملة الوطنية ـ التي دعا إليها الملك عبد الله في حينه ـ للتضامن ضد الإرهاب .

وعلى الصعيد الخارجي ، عكس الأمير عبد الله عزما صادقا، وسياسة راسخة، حول كثير من القضايا الرئيسية للأمة. إذ وبالرغم من تأزم العلاقات الدولية، وتغير موازين القوى العالمية، لكن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله لم يهادن أو يمالئ على حساب مبادئه التي تشربها من والده ، ولم يتنازل أو يتهاون في سبيل كسب مواقف تضر بقضيته الأم، القضية التي ناضل من أجلها والده وإخوانه ، قضية فلسطين وشعبها المكلوم جراء ما يكابده من اعتداء سافر، وظلم مستمر، وهو ما لم يتوان عن نقله لمختلف الدوائر السياسية الغربية، خلال رحلاته في عواصمها .

معتمدا في شرحه ودعواته لمساندة الشعب الفلسطيني على وجه الخصوص الدبلوماسية الهادئة والحازمة، والبعيدة عن سياسة الضجيج الإعلامي ، وترديد الكلمات والشعارات .

* باحث في الشؤون التاريخية