فريدة في مهرجان موماد

TT

فن المقام العراقي فن رجالي ولكن فريدة محمد علي كسرت هذا الاحتكار ونجحت في نقل المقام الى المستوى العالمي حيث غنت في شتى القاعات الاوروبية الكبرى. كان من ذلك اشتراكها في مهرجان الموسيقى العالمي المعروف بالموماد. جرى ذلك قبل بضعة أيام في مدينة ردنغ في بريطانيا. وقد نقل راديو 3 من شبكة الـ «بي بي سي» حفلتها يوم السبت الماضي. لم احظ بمشاهدتها ولكنني حظيت بسماعها من الراديو وكانت فريدة كما عرفتها تتحفنا دائما بأغان تراثية جديدة. وما هذا بالشيء اليسير. فأغاني المقام محدودة ومقننة. ولكنها اسمعتني منها ما لم اسمعه من قبل.

فريدة محمد علي مطربة مغتربة. وارجو ان تعذرني على وصفها بالمطربة فأهل المقام يكرهون هذه التسمية ويفضلون عليها وصفهم بالمقرئين وليس بالمطربين أو المغنين. وقصة اغترابها مع زوجها الموسيقار وكل فرقتها من عازفي الجالغي تمتد لعدة سنوات هروباً من نظام صدام حسين.

لا عجب وهي هذه الفنانة، المغتربة ان تشعر بمرارة الحنين للعراق ومسقط رأسها بغداد. كثيرا ما عبرت، وربما اسرفت، في التعبير عن هذا الحنين في اغانيها التي لا تنفك عن ذكر العراق وبغداد. هذا ما فعلته في القصائد والأغاني الكلاسيكية فحشرتها بذكر، العراق والعراقيين:

اي شيء في العيد اهدي اليك

يا بغداد وكل شيء لديك

وهي عبارة تثلج القلب ان نسمع ان الخاطفين تركوا شيئاً في بغداد ولم يخطفوه حتى اغنية ناظم الغزالي الشهيرة: «طالعة من بيت ابوها» تحولت على لسان فريدة الى:

قلت الها يا عراقية ادويني

وعلى طولك فرجيني

لا ادري اذا كان من حضر الحفلة من العراقيين او العرب قد فكر بهذا السؤال. اذا كنت يا نجمة المقام تشعرين بهذا الحنين لبغداد والعراق، فلماذا لا تعودين اليه وقد ولى صدام حسين من الساحة؟ بالطبع سترد عليّ فريدة وتقول وانت يا خالد القشطيني لماذا لا تبدأ انت بالأول وتعود. سؤال معقول ولكنه يذكرني بما قاله ابراهيم المويلحي عن مصر واغترابه منها، حين اجاب على سؤال نقاده فقال ان مصر كالمقبرة تزار ولا يسكن فيها.

ولكن لهذا الموضوع جانبه الجدي. فريدة وكاظم الساهر وحامد السعدي وكل هؤلاء النجوم في الخارج يغنون عن العراق بعيداً عنه، لماذا لا يقومون بهذا الشيء الصغير لبلدهم، وهو ان ينظموا حفلة كبرى يدعون للمشاركة فيها حتى بعض كبار نجوم الطرب العربي ويقدمونها تحت شعار من اجل الأمن والسلام في العراق، من اجل الاطفال والعاطلين. لا بد ان يكون لها بعض الوقع في قلوب الخاطفين والانتحاريين والارهابيين.

بالطبع ربما يخشون من التعرض للخطف ظناً في انهم مليونيرية وعندهم دولارات، او من القتل اعتقاداً بأنهم كفرة يغنون ويدقون موسيقى، وفي هذه الحالة وتفادياً لهذا المكروه، يمكنهم تنظيم مثل هذه الحفلة السلامية في احدى العواصم القريبة من العراق ممن لا يعتقد سكانها ان قتل او خطف الاطفال وسيلة مشروعة من وسائل الجهاد.