العفو

TT

اعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز عفواً عاماً عن السجناء السياسيين في السعودية، فإذا العدد اربعة، بالاضافة الى ليبيين. وقد استغربت الرقم. ففي كل مرة نقرأ عن عفو عام في الدول العربية يكون عدد الدفعة المفرج عنها نحو خمسة آلاف على اقل تقدير. واعجب دائماً من المصاريف والموازنات التي تتكبدها الدول على الآلاف من المعتقلين الذين يدخلون ويخرجون دون حكم او إدانة. وقد اعلن مجلس النواب اللبناني العفو عن مجموعة متشددة من دون ان يصدر في حقها حكم ولو شكلي. عفو عاجل من دون ادانة. وفي المقابل استجوبت لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس الحريري نحو 200 شخص واعلنت ان لديها مشتبهاً واحداً لكنها لم تصدر في حقه مذكرة توقيف ولا وجهت اليه تهمة بعد.

ليس هناك معتقلون سياسيون في الخليج إلا الذين ادينوا في قطر بإعداد انقلاب ضد الانقلاب على الأمير الأب.

والسجون السياسية شديدة الإيلام مهما بدت عبثية احياناً. ونسبة السجون السياسية في العالم العربي مثل نسب الانتخابات. اما نسبة العدالة فهي مثل نسبة الحرية. وشخصياً كنت أضن على السعودية حتى بثلاثة احكام قضائية في موضوع رأي. مع العلم ان للضرورة احكامها وللمسؤولية ضروراتها. ومع هذا اتمنى ان تظل دول التسامح على تسامحها في الرأي وعلى صلابتها في الأمن ومواجهة الجريمة والخراب. وللأسف فإن طبيعة البشر معقدة. ولا يمكن ان نطلب من بعض الشعب ان يكون في مستوى المسؤولين. فما ان اعلن الملك حمد في البحرين العفو العام والحرية السياسية حتى ضاقت ساحات المنامة الصغيرة بالمتظاهرين وهددت صرخاتهم وحناجرهم الاستقرار والاقتصاد، وتصرفوا وكأنهم في برلين او ستالينغراد، وليس في دولة رأسمالها الاول والاخير، الاستقرار والهدوء.

هناك دول اعتدنا على عنفها السياسي وعلى خطابها القائم على الفظاظة والوعيد والتهديد. وهناك دول عودتنا عكس ذلك. وفي العراق كان اهل السجين السياسي لا يحلمون بخروجه، بل بأن تسمح لهم الدولة بإقامة مجلس عزاء عندما تسلمهم جثته. ثم جاءت الديمقراطية الاميركية ففعلت في سجن ابو غريب ما جعلنا ننسى انه يوم سقوط بغداد كان فيه مائة الف شخص. احياء طبعاً.

جاءتنا السجون الجماعية والمقاصل الجماعية مع المد الثوري وقيام حكم الشعب. وقبل ذلك كان في السجون بضعة نزلاء يُطلبُ اليهم الا يتأخروا في العودة ليلاً من زيارة عائلاتهم! الآن عندنا، مشرقاً ومغرباً، سجون هي وصمة اخرى في جبين الأمة. وليس مطلوباً ان نفتح ابوابها دفعة واحدة بل ان نعيد النظر في بديهيات مقاييسنا الانسانية. لم يعد مقبولاً كل هذا الظلم على مدى هذه الأمة.