من هم الانفصاليون في العراق؟

TT

نجحت الحكومات والحركات القومية العربية، وبخاصة البعثية، في العراق والدول العربية في تضليل قطاعات واسعة من الرأي العام العربي بشأن القضية الكردية في العراق. فالصورة النمطية التي شكّلها هذا التضليل في الاذهان يبدو اكراد العراق فيها متمردين انفصاليين.

وزيادة في التأليب ضد الاكراد وقضيتهم تعمّد سياسيون وكتاب قوميون شوفينيون عرب ان يرسموا للاكراد صورة «اسرائيل اخرى»، مع انه لا وجه للمقاربة والمقارنة بين القضية الكردية وقضية اسرائيل ـ فلسطين. فالاكراد موجودون في مكانهم هذا منذ آلاف السنين، بل انهم كانوا هنا حتى قبل ان يبدأ العرب هجراتهم الى وادي الرافدين بقرون عديدة.

الصورة المضللة لاكراد العراق وقضيتهم كانت ولم تزل جزءا من عملية تلفيق متعمدة يحركها فكر شوفيني معاد للحقوق السياسية والثقافية والادارية للاكراد وسواهم من الامم والشعوب التي وُضعت، من دون اختيار منها، تحت السيطرة العربية.

في أواخر العام1991سحب صدام حسين قواته وأغلق ادارات الدولة في كردستان العراق وفرض حصارا شاملا، متوقعا ان يستسلم له قادة الحركة الكردية بعد فشلهم في ادارة اقليمهم الذي تركه لهم مدمّرا في كل المجالات. ورد هؤلاء القادة بتنظيم انتخابات تشريعية وتشكيل برلمان وحكومة محلية. وبرغم الحماية الدولية القوية فان برلمان كردستان اقترح ان يظل العراق بلدا موحدا واقليم كردستان جزءا من دولة فيدرالية (اتحادية) ديمقراطية. وعمل القادة الاكراد على كبح الميول الاستقلالية المتنامية في الاوساط السياسية والثقافية الكردية.

اكثر من هذا تحوّل الاقليم الكردي العراقي الى قاعدة نشيطة لمعارضي نظام صدام حسين من مختلف الاتجاهات السياسية، بمن فيهم الذين قلبوا للاكراد ظهر المجن بعد وصولهم الى الحكم في بغداد خلال السنتين الاخيرتين. ولم يكن الخلاص من نظام صدام ممكنا لولا تلك القاعدة.

بعد سقوط صدام ساهم الاكراد باندفاع في بناء الدولة العراقية الجديدة متمسكين بخيارهم الاتحادي، وهم الان يشكلون الضمانة الاقوى لوحدة العراق، فلو لم يكونوا وحدويين لتحقق ما يسعى اليه بعض عرب العراق وعجمه، وهو التقسيم والانفصال.

حتى لو استبعدنا العامل الوطني فان لاكراد العراق مصلحة قوية في بقاء العراق دولة موحدة وفي بقائهم جزءا من هذه الدولة. فهم يعرفون ان العراق بلد بالغ الثراء وانهم يحتاجون الى حصتهم في ثروات العراق لتنمية اقليمهم الذي تعمدت الحكومات العراقية المتعاقبة ابقاءه متخلفا. وبالطبع يدرك القادة الاكراد ان انفصال اقليمهم واستقلاله الان، حتى لو تحققا بفعل ظروف موضوعية، لن يكونا في مصلحتهم ولا في مصلحة الأمة الكردية عموما، فهم يعرفون انهم يعيشون في غابة مليئة بالضواري القومية التي لن تتهاون مع كيان كردي مستقل. لذلك فانهم يتركون هذه القضية (قضية الحق المبدئي للامة الكردية بالتوحد والاستقلال) للزمن، ويعملون لان يكون العراق دولة مستقرة وقوية يوفر لهم استقرارها فرصة تنمية اقليمهم وتتيح لهم قوتها قدرة البقاء على قيد الحياة.

العراق يواجه الان بالفعل خطر التقسيم والانفصال. وهذا الخطر متأت تحديدا من الاحزاب والميليشيات الشيعية ذات الميول والاتجاهات الايرانية، والمجتمعة في «الائتلاف العراقي الموحد» المدعوم من آية الله علي السيستاني وايران.

كل ما يقوم به «الائتلاف» يفضح الاهداف التقسيمية الانفصالية. فتجربة السنتين الماضيتين اظهرت لقوى «الائتلاف»، ومن خلفها ايران،ان ليس في وسعها ادارة العراق الموحد والسيطرة عليه، فثمة شركاء اقوياء هم الاكراد والعرب السنة. الاقليم الكردي محدود الثروات والقسم الغربي من العراق (المثلث السني) من دون ثروات، فيما القسمان الجنوبي والاوسط يعومان على بحر من النفط. وقوى «الائتلاف» ترى ان التقسيم والانفصال يحققان لها حيازة كنز الكنوز في العراق واقامة كيان طائفي خالص والخلاص من وجع الرأس الكردي ووجع الاسنان السني، ويفتح طريق الالتحاق بايران.

هذا ما تعمل له قوى »الائتلاف« الان بما تتخذه من اجراءات على الارض وبما تقوم به من استفزازات متواصلة للاكراد والعرب السنة.

[email protected]