أزمة الليبراليين العرب مع «أبو قتادة»

TT

للعرب المؤمنين بالحريات الفردية والحقوق المدنية مواقف متناقضة مع أحداث كبرى، وليس اعتقال «ابو قتادة» المحتمل إلا قصة أخرى. فمن قبل أيّد فريق كبير منهم زعيم القاعدة اسامة بن لادن في كتاباتهم، ودافعوا عن رئيس العراق المخلوع صدام حسين، وذهبوا لحد مجاراة الدفاع عن النظام الايراني. فكيف يستوي ايمانهم بحقوق الافراد الاساسية ودعمهم لأكثر الناس قسوة واضطهادا للحقوق والبشر؟

لأن اليسار هو الموقف الغالب على سلوك الفكر العربي الليبرالي بفئاته المختلفة وجغرافيته، فقد ظل يتبنى مواقف مائلة سياسيا لا تنسجم مع أصول طروحاته. لم يعد غريبا ان ترى امرأة غير محجبة تدافع عن ابن لادن في التلفزيونات العربية، وتسمع من فم ليبرالي يعمل رئيسا لمنظمة حقوق انسان، أقوالا يدافع فيها عن مصاص دماء لم يعرف العرب مثله منذ مئات السنين، وهو صدام حسين. وهم الآن يدافعون عن اناس مثل عمر بكري وابو قتادة ومقتدى الصدر وغيرهم من المعروفين بتطرفهم قولا وفعلا، ويدعون لقتل وقتال من يخالفهم. ويساندون تسلح النظام الايراني فقط لأنه يتبنى موقفا كلاميا معاديا لاسرائيل.

بكل أسف هذه العصبية الجاهلة وراء الاندفاع المحموم في صدور وعقول وأقلام المثقفين العرب، الذين ينظرون الى كل قضية من زاوية واحدة متجاهلين حقائق القضية كلها. لأن صدام قال ذات مرة انه سيحرق نصف اسرائيل، فاعتبره هؤلاء انسانا رائعا غير مبالين بأنه قتل اكثر من نصف مليون انسان، واضطهد عشرين مليون آخرين. والقصة تتكرر اليوم مع رئيس موريتانيا المخلوع حيث حيّوا الانقلاب عليه، ليس لأن ولد الطايع زعيم سياسي سيئ، وهو بالفعل كذلك، بل لأنه أسس علاقة مع اسرائيل. اي لم تهمهم افعاله ضد شعبه، ولا يبالون بطبيعة الحاكم الجديد كيف جاء وما تاريخه وبرنامج عمله تجاه مواطنيه، بل المهم انه انقلب على من هو على علاقة مع اسرائيل. ولسوء حظهم ان الذي هللوا له ضم الى حكومته وزير الخارجية السابق الذي هندس علاقة موريتانيا مع اسرائيل!

يا لها من نظرة انانية ضيقة ان تعتبر هذه الكوكبة من المثقفين الليبراليين حقوق البشر لا وزن لها الا في موضوع بعيد عن طبيعة وظيفة المسؤول او الحكومة. لزمن طويل ساندوا غلاة الانظمة عندما كانت ترتكب جرائم باسم العروبة والاسلام.

بعضهم يقف مع ابو قتادة فقط لأن البريطانيين يعتزمون تسليمه، متناسين انه رجل متطرف جدا لا يمكن لأحد، مهما كان على قدر كبير من التسامح، ان يقبل به جارا. وكان البريطانيون الوحيدون في العالم الذين استقبلوه وتعهدوه برعايتهم وفق انظمة الحقوق التي ينص عليها نظامهم، لكنه تحول الى رجل شرس ضد مجتمعهم ومواطنيهم وتورط في نشاطات مشبوهة.

الآن سنسمع الليبراليين العرب يعزفون على وتر الحديث عن استهداف العرب، مثل ابو قتادة ورفاقه من المتطرفين، الين يهللون ويدعون للقتل والتفجير والتدمير، وسيدخلون اسرائيل على المعادلة، وسيقال ان «ابو قتادة» وبكري والفقيه ومن لف لفهم أبعدوا لأن لهم مواقف ضد اسرائيل.

[email protected]