صرخة هادئة في البرلمان العراقي

TT

جلسة الجمعية الوطنية العراقية ليوم الاربعاء الماضي التي حضرها بعض أعضاء الحكومة، بمن فيهم رئيس الوزراء السيد ابراهيم الجعفري الذي رد بعصبية وبلهجة استعلائية استعراضية على شكاوى النواب وملاحظاتهم الكثيرة على أداء حكومته وأجهزة الدولة عموما، شهدت موقفا شجاعا سجله النائب الكردي الايزيدي كامران خيري سعيد.

لا اظن ان السيد سعيد كان يعني انه يريد للمسلمين او لغيرهم ان يتوقفوا عن العياذ بالله من الشيطان، فالواضح انه على مستوى جيد من التعليم والمعرفة، ويدرك انه يعيش في بلد متعدد الاعراق والديانات والمذاهب، وان لكل مجموعة عرقية او دينية او مذهبية تقاليدها واعرافها وشعائرها وطقوسها التي لا يمكن لأي من هذه المجموعات، مهما كبرت او صغرت، ان تلغيها.

أغلب الظن ان النائب الشجاع أراد ان يمارس حقه في انتقاد ظاهرة سلبية وممارسة غير موفقة لبعض شخصيات الحكومة والجمعية الوطنية بسعيهم لتحويل قاعة البرلمان الى حسينية. فهذه الشخصيات، ومنها السيد الجعفري، تلحف الحافا، بمناسبة ومن دون مناسبة، في التعويذ والبسملة والحوقلة والدعاء، وفي كثير من الاحيان تزيد مدة هذه المقدمات على مدة ما يطرحه عضو الجمعية الوطنية من اقتراح او ملاحظة.. وفي كثير من الاحيان ايضا يعطي اصحاب هذه المقدمات الانطباع بأنهم ربما ارتكبوا في الليلة السابقة الكثير من المعاصي والذنوب التي يسعون لطلب المغفرة عنها تحت قبة البرلمان ويعتقدون ان كثرة الاستعاذة والبسملة والحوقلة والدعاء تحقق لهم المرام.

النائب سعيد أراد، في ما اظن، تذكير السيد الجعفري وسائر اعضاء الحكومة والجمعية الوطنية انهم موظفون لدى الشعب العراقي كله بجميع أعراقه واديانه ومذاهبه، وان مبنى الجمعية الوطنية وسائر دوائر الدولة هي مقار للخدمة العامة وليست حسينيات او جوامع او كنائس او معابد، وبالتالي فإن الطقوس والشعائر الدينية والعبادات تمارس في أماكنها المناسبة خارج مبنى الجمعية، وإلا فإننا سنتوقع ان نشهد قداسات مسيحية وشعائر مندائية وايزيدية تسبق بدء الاعضاء المسيحيين والمندائيين والايزيديين بإلقاء مداخلاتهم!

اذا كان السيد الجعفري وغيره من الاعضاء الاسلاميين الشيعة في الحكومة والجمعية الوطنية مستشعرين خطرا يحيق بالاسلام يدفعهم للالحاف في الاستعاذة والبسملة والحوقلة والدعاء، فبالتأكيد ان تحويل مبنى البرلمان العراقي الى حسينية لن يرد هذا الخطر، فما يرد الخطر هو العمل الصالح، والعراق في مسيس الحاجة الآن للعمل الصالح.. لكل عمل صالح، والعمل عبادة كما يقال، ولا شك في انه عبادة من الطراز الاول الآن، العمل الجاد الصامت لقهر الارهاب والارهابيين في العراق، وتحقيق الامن والامان للعراقيين، وتوفير الخدمات والسلع الاساسية لهم، وتأمين فرص العمل لجيش العاطلين منهم، وهذا كله ما رفع اعضاء الجمعية الوطنية اصواتهم بالمطالبة به في جلسة الاربعاء التي بدا خلالها السيد الجعفري عصبيا واستعلائيا واستعراضيا.

كلام النائب الايزيدي سعيد ينبغي ان يفهم على انه لفت لانتباه السيد الجعفري وبعض وزرائه وبعض أعضاء الجمعية الوطنية الى انهم موظفون لقاء أجر معلوم لدى كل العراقيين من كل الاعراق والاديان والمذاهب، والى ان مبنى البرلمان وسائر دوائر الدولة هي مقار مدنية للعراقيين كلهم وليست حسينيات للشيعة أو جوامع للسنة أو كنائس للمسيحيين أو معابد للمندائيين أو الايزيديين.