اتصل.. ثم اخبرنا

TT

اعتقد، غير جازم، ان لبنان هو الاكثر عطلات رسمية في الكون وعبر التاريخ. هناك أعياد لجميع الطوائف. واخرى لجميع المذاهب. وهناك اعياد التحرير والشهداء والاستقلال. ويوم الامهات. ويوم المعلمين. ونقيب المهندسين. وذكرى وعد بلفور. والعطلة الاسبوعية هي أطول عطلة اسبوعية في الكون، وايضاً في التاريخ. فمن حيث المبدأ يوم الجمعة عطلة المسلمين والأحد عطلة الجميع، لكن الناس تغيب السبت ايضاً. والبيروقراطية سيئة في كل مكان. لكنها في لبنان أسوأ مما هي في حكايات الأدب الروسي. وينتهي الدوام الرسمي عادة في الثانية بعد الظهر، لكنه عملياً ينتهي في الثامنة صباحاً قبل ان يبدأ. وهناك يوم من ايام الاسبوع لا وجود له في الدوائر الرسمية هو يوم الاثنين. فإذا جئت للمراجعة في معاملة يوم الاربعاء، قال لك الموظف: «عد يوم الاثنين». وعندما تعود الاثنين يعاجلك بالقول: «ألم أقل لك عد يوم الاثنين؟». وتدرك عندها ان لا اثنين في البلاد. وطبعاً لا ثلثاء او اربعاء او خميس. وبعدها يحين موعد العطلة. عطلة سعيدة في أي حال.

قبل ايام قليلة، ذهبت لإجراء معاملتين; واحدة للهاتف، لدى شركة خاصة، وواحدة للكهرباء، في دائرة رسمية. وعندما دخلت الدائرة الخاصة وجدت رجالاً في ثياب موحدة أنيقة. وآلات كومبيوتر. وخرائط دقيقة. وقال لي رئيس المركز معتذراً: «آسفون. لكننا سوف نتأخر يوماً واحداً في وصل الخط الهاتفي». ثم أعطاني رقمي. وخيّرني في الأرقام.

وذهبت من هناك الى دائرة الكهرباء، على مسافة مائة متر. ورأيت لدى دخولي المبنى رجلين يلعبان الورق. وسألت ضاحكاً من الذي غلب؟ فقيل لي ان اللعبة بدأت للتو. وسئلت ماذا اريد؟ فقلت ان لدي شكوى في شأن الكهرباء. فأحالني اللاعب المؤهل للغلب الى المكتب المجاور. فامتثلت. وكان صاحب المكتب المجاور مؤدباً ودقيقاً وصريحاً ايضاً. وأفهمني ان مصلحة الكهرباء مفلسة. وانني صاحب حق في شكواي. لكن اذا اردت ان أخدم نفسي وأرفع عمود التوتر العالي عن منزلي، فيجب ان أتكفل كافة المصاريف. قلت له، وبماذا تساهمون جنابكم في هذا الموضوع؟ فأجاب بهدوء عظيم «بالموافقة». وخرجت وظهري الى الباب وأنا اشكره على «الموافقة». وتوقفت عند المكتب الأول لأطمئن: من ربح في لعبة الورق؟ فلم اسمع جواباً. لقد كان «الدق» حامياً ولا وقت لمتطفل لا عمل لديه سوى ان يسأل موظفي الكهرباء من ربح ومن خسر. وفكرت ان استخدم نفوذي. وتذكرت ان محمد فنيش ليس فقط أول وزير لـ «حزب الله» في الحكومة بل هو صديقي ايضاً. وقلت للاعبين، ما رأيكما ان اتصل بالوزير فنيش؟ فأجاب الغالب دون ان يرفع رأسه عن الورق: «اتصل به وخبّرنا».