من المخطئ .. التلميذ أم الأستاذ؟

TT

تخيلوا هذا المنظر; «يمنيون في قفص الاتهام في صنعاء، وبهذه الشعارات يرفعون أصواتهم.. الموت لأميركا واسرائيل، الموت لليهود، وأنشدوا اناشيد تؤكد النصر للمسلمين والوعيد للكفار والتهديد للحكومة اليمنية، ثم قرأوا سورة يس بصوت مرتفع حتى أن القاضي لم يتحمل المشهد فأمر برفع الجلسة الى الأسبوع المقبل».

هذا ملخص ما حدث داخل محكمة يمنية أول من امس، حيث يحاكم ستة وثلاثون من المتمردين الذين قادهم نائب برلماني سابق، هو حسين بدر الدين الحوثي. وللحوثي سوابق سياسية، وفرَّ من قبل الى ايران وسورية ثم عاد ضمن عفو عام ليشكل خلايا معادية، كما يقول للغرب كافرا، مرددا نفس شعارات الشارع الايراني المتطرف. وهكذا صار يحارب الحكومة اليمنية بنفس سلاحها الدعائي الذي كانت تسمح به وتستخدمه من قبل.

المثير للسخرية ان هؤلاء المتمردين، الذين أزعجوا القاضي بصراخهم في قفص الاتهام مهددين الغرب واسرائيل، لم يحاربوا إلا يمنيين. وكل معاركهم التي خاضوها كانت في جبال محافظة صعدة اليمنية، فكيف يحاربون اسرائيل وهم يقتلون مواطنيهم في صعدة؟ أقنعهم الحوثي، كما فعل من قبل متمردون عرب آخرون، بأن محاربة الحكومة هي محاربة للأعداء، وهكذا صار انصاره يرددون وراءه بان هدفهم اسرائيل بدون حساب المسافة الفاصلة بنحو ثلاثة آلاف كيلومتر عن تل أبيب.

لا يخالجني شك في أن رأس المتمردين، الحوثي، يعرف جيدا حساب المسافات ويدري انه لن يحارب اسرائيل قط في حياته، وان طموحه الأخير هو الوصول الى صنعاء لا القدس، لكنه يدرك ان مواطنيه في صعدة لن يحاربوا معه الحكومة الا اذا اقنعهم بأن هدفهم القضاء على اسرائيل وهزيمة الولايات المتحدة، والذي ساعده على ذلك نفس ثقافة المؤسسات الرسمية التي رسخت مبادئ جاهزة للتسويق السياسي من اجل شعبيتها. الحوثيون اختصروا المسافة، راكبين نفس الموجة التي تركبها الحكومات التي تسيِّر المظاهرات وتعلن عنها في وسائلها الاعلامية. فصار لسان الحوثي يعلن ان هذه الحكومة لا تقوم بما ثقفتنا به، واننا مستعدون للقيام بما وعدت به وعجزت عنه. الحوثي تلميذ في مدرسة بيع الشعارات العربية.

حركته، «الشباب المؤمن»، اعتمدت الدروس والندوات والمحاضرات والمخيمات الصيفية واستفادت من الثقافة الشائعة التي ربت الحكومة مواطنيها عليها في الحضانة الفكرية وأرضعتها لهم في عمر مبكر، وبالتالي هي اليوم تدفع ثمنا لذلك. وليس غريبا ان يقع الاصطدام في لحظة مستقبلية. فالكثير من المعارضات مثل الحكومات العربية تعتمد سياسة انتهازية بمسايرة الناس عبر ترويج دعاية سياسية ذات شعبية. وبسبب المنافسة بين المعارضة والحكومة، أصبح كل طرف أكثر تطرفا من اهل القضية انفسهم. ولأنه تطرف فيه خواء فلا يمكن له ان يفلت من النقد والاستخدام المضاد. المعارضة انتهازية، وصارت تلجأ الى المحاسبة الكلامية مستخدمة نفس الشعارات حججا، كما هي حالة الحوثي.

[email protected]