إلا الحديث فإنه أبدا حديث!

TT

عندما نقول (البطانة)، أي القماش الذي يلتصق بالجاكتة، وهي بطانة تتشكل مع الجاكتة، وكذلك بطانة الملوك والرؤساء، أو هي أيضاً الحاشية، فإن كانت غالية مثيرة كان صاحب الجاكتة أيضا، فهو الذي اختار ما يعجبه أو ما يروقه أو من يشير عليه، ولذلك نقول: قل لي من تصادق أقل لك من أنت، أو قل من هم بطانتك أقل من أنت.

وقد لاحظ الناس أيام الخليفة عمر بن عبد العزيز، انه كان متشدداً ممسكاً في الانفاق في كل الاتجاهات وكل الأغراض، والسبب: انها أموال المسلمين يجب انفاقها في الوجوه التي تنفع المسلمين، وقد لاحظوا أيضاً أن الخليفة عمر بن عبد العزيز كان يضم يده إلى عنقه ولا يبسطها كل البسط، فأصبح ملوماً، كما يقول القرآن الكريم.

وتجرأ أحدهم فسأل الخليفة عمر بن عبد العزيز عن الأموال التي ينفقها على العلماء والشعراء، فكان يقول: والله إنني على استعداد أن أفعل ذلك أبداً، فاشتري المحادثة مع العلماء والأدباء، ففي المحادثة معهم تلقيح للعقول وترويح للقلب وتسريح للهم وتنقيح للأدب.

أي أن هذه الجلسات الأدبية مع العلماء والشعراء والمؤرخين والقضاة والفقهاء تنير عقل الخليفة وتريح قلبه، فيكون مستنيراً عند الحكم وإدارة شؤون الرعية، فهذه المحادثات لا يمكن أن نقدرها بمال، وهو ينصح كل الناس أن تقبل على الحوارات والمحادثات وجلسات العلم والبحث، وألا يغلق الحاكم بابه وشباكه في وجه من هم أكثر علماً وفضلاً، وإلا كان ذلك عقاباً للشعب لا يستحقه!

ويقال إن أحد الأدباء قد زار الشاعر العظيم ابن الرومي وكان مريضا، وأثار حكاية الخليفة عمر بن عبد العزيز، فهز ابن الرومي رأسه مؤيداً الخليفة ثم قال:

ولقد سئمت مآربي.. فكان أطيبها خبيث

إلا الحديث فإنه.. مثل اسمه أبداً حديث!