تعريف النقد؟

TT

لكل منا شيء مفضل. وقد سمينا ما نحب من عادات «هواية» من هوى. ونقول «يهوى» بمعنى حب المرء للاشياء لا للناس. تقدمت بذلك لاقول ان افضل مجلة عندي هي «نيويورك ريفيو اوف بوكس». وبعدها «لندن ريفيو...» المماثلة. و«ملحق التايمس الادبي». و«ملحق الموند». و«ملحق النهار». والآن اتابع «المنتدى الثقافي» بتقدير واقرأ الجزء الاكبر منه.

وعندما صدرت «وجهات نظر» في مصر على غرار «نيويورك ريفيو» تابعتها منذ العدد الاول. ولعلها اهم مجلة ادبية منذ عصر، او مرحلة، «الرسالة» ولكن طبعاً على حداثة ومهنية.

فـ«الرسالة» ولدت في عصر الرومانسية الادبية، وكانت الكتابات السياسية فيها ضئيلة، اما «وجهات نظر» فولدت في العصر السياسي، وكل ادب فيها له علاقة بالسياسة على نحو ما.

تتألف «نيويورك ريفيو» من عرض للكتب والسير واحياناً المعارض والسينما وربما تخللتها رسالة من ساحة حرب او حدث. وبعد كل هذه السنوات الطويلة من قراءتها وقراءة كل الملاحق الادبية التي ذكرتها، لاحظت انه ليس هناك تسفيه لأي كتاب او عمل او موضوع. «فالنقد» هنا هو التحليل والعرض والدراسة والبحث والتقدير والمناقشة او التدقيق. لم اعثر مرة واحدة على شتيمة او كلمة سوقية او رأي تشهيري او تحقيري. لم اجد مرة سطراً حاقداً او نعتاً شتائمياً. لم المح كلمة فظة او موقفاً شارعياً. لم اقرأ في وسط الكتب قصيدة مديح في متبرع او قصيدة هجاء في رجل (او سيدة) توقف عن التبرع. فأيهما النقد ومن هم النقاد؟ وما هو تعريف النقد؟ ولماذا لا تعيش المجلات الادبية في العالم العربي؟ ربما لأنها لا تستطيع العثور على قارىء يصدقها او يحبها. لذلك يظهر الكثير منها كالبثور ويختفي مثلها تاركاً الاثر نفسه. في حين تبقى وتستمر وتزدهر المجلات الجدية وغير الملوثة بالاحقاد الصغيرة والحسد المدَّمر. وانا اتابع سلامة احمد سلامة ككاتب محترم وكرئيس تحرير راق في «وجهات نظر». وخصوصاً كمثقف متواضع. فهذا هو سر اصحاب المعرفة والعاملين فيها. لأن التواضع لا يتأتى الا لاصحاب الخلق. ولا يمكن للمعرفة ان تجتمع مع الغرور وسقط الكبرياء. وكان اديب بيروفي يسخر من غرور كاتب من الارجنتين. فلما قضى هذا سئل الاديب كيف مات صاحبه، فقال: «لقد انتحر بأن رمى الأنا من نفسه».