الموسيقى محصلة السلام

TT

هذه هي المرة الثانية التي اذهب فيها الى القاعة المهيبة في لندن، قاعة الألبرت هول للاستماع الى فرقة الديوان الغرب ـ الشرقي West-Eastern Divan Orchestra التي شكلها ادوارد سعيد ودانيال برنبويم في 1999 لتحتضن موسيقيين عربا واسرائيليين يتمرنون ويعزفون معا، وذلك كاشارة رمزية الى امكانية تعايش الشعبين معا في سلام وتعاون.

الموسيقى خير معين لزوال العداوات وحلول التفاهم والتجاوب الروحي، فإدوارد سعيد الفلسطيني، ودانيال برنبويم اليهودي، جمعتهما الموسيقى في علاقة صداقة طويلة، خطر لهما، اذا كان بامكانهما الالتقاء والصداقة في ظل الموسيقى، فلم لا يتوسعان بها لتضم موسيقيين آخرين؟ وهذا ما كان. واختارا اشبيلية، ارض الاندلس التي اعطت خير ساحة للصداقة العربية اليهودية، مكانا لتدريب الفرقة. وهناك التقى عرب من بلدان عربية مختلفة مع اسرائيليين وعاشوا ودرسوا وتدربوا معا كأعضاء في فرقة سمفونية واحدة. اعدوا انفسهم في هذا العام لتقديم هذا البرنامج الذي شمل سمفونية كونسرتانتة لموتزارت والسمفونية الاولى لماهلر ثم افتتاحية ترستن وايسولده لفاغنر، وكان لهذا الاختيار دلالته، فموتزارت موسيقار تميز بالروح الانسانية العالية وماهلر كان يهوديا وتنصر وفاغنر الماني منعوا موسيقاه في اسرائيل بسبب افكاره المعادية لليهود.

القى برنبويم كلمة في نهاية الحفلة اشار فيها الى شجاعة كل اعضاء فرقة الديوان الغرب ـ الشرقي، فليس من السهل لموسيقار عربي ان يعزف مع موسيقار اسرائيلي، ولا سيما عندما يتصدر اسماهما برنامج الحفلة كمحمد صالح، عازف آلة الأوبو، وكنان عزمه، عازف الكلارنيت. وقد عزف كلاهما ادوارا رئيسية منفردة في سمفونية موتزارت. هذا نوع آخر من الشجاعة، ان يأتي شاب مسلم ما زال في اول مشوراه الموسيقي ويواجه هذا الجمهور الغفير من بضعة آلاف متذوق في داخل القاعة وبضعة ملايين في الخارج على شاشات التلفزيونية وقنوات الاذاعة، ويمسك بآلة الاوبو الرهيبة ويعزف دورا منفردا لما يقرب من نصف ساعة.

بيد ان هناك شجاعة ثالثة، وكانت في عزم دانيال برنبويم على تقديم افتتاحية من فاغنر المحظور عليه في اسرائيل، ولا سيما بعد النقمة التي واجهها في اسرائيل عند تقديمه لاعمال فاغنر.

تزامنت ليلة هذه الحفلة مع حفلة اخرى في غزة، ليلة الانسحاب الاسرائيلي منها. ولم تفت الدلالة على قائد الفرقة في كلمته لامكانيات السلام في الشرق الاوسط وعيش الشعبين اليهودي والعربي في ظل السلام والديمقراطية.

شجاعة رابعة سيواجهها اعضاء الفرقة في التنقل بالطائرات في هذه الايام. فما ان انتهوا من لندن الا وركبوا الجو الى مهرجان ادنبره ومن هناك الى المانيا ثم من بعدها الى الارض المحتلة ليقدموا الحفلة الاخيرة في رام الله. لا املك غير ان اقول لهم: بعونكم الله.