تلويح «حماس» بالبنادق هدفه الانتخابات التشريعية..!

TT

الاحتمال الذي يصل حتى حدود التأكيد ان التظاهرة العسكرية والإعلامية التي قامت بها حركة «حماس» عشية الانسحاب الاسرائيلي من غزة لن تتعدى هذه الحدود وأن هدفها هو الاعلان عن الوجود وإشعار الفلسطينيين ان هذا الانسحاب جاء تحت ضغط سلاح كتائب عزالدين القسام وان كل هذا هو لحشد المزيد من الشعبية استعداداً للانتخابات التشريعية التي ستجري بعد نحو أربعة شهور والتي من المتوقع ان تكون انتخابات حاسمة بالنسبة لموازين القوى بين الفصائل الفلسطينية.

قد تحدث بعض المشاحنات وبعض المناوشات العسكرية لكن غير متوقع وعلى الإطلاق ان تذهب حركة «حماس» بالشوط الى آخره وان تدفع بالامور حتى حدود الحرب الاهلية فهذه الحركة، التي هي وجه العُمْلة الفلسطينية لجماعة الإخوان المسلمين التي هي حزب سياسي كان سعى الى السلطة منذ لحظة إنشائه وتكوينه، ليست زاهدة في «الحكم» كما تقول وهي بالتأكيد تعرف إنها إن لم تغتنم هبوب الرياح الحالية فإنها ستبقى تقضم أطراف أصابع يدها ندماً وحسرة.

ربما يكون مــن قبيل التكرار القول ان «الإخوان المسلمين» أوجدوا حركة «حماس»، بعد خروج منظمة التحرير من بيروت ثم بعد ان لاحت أول إرهاصات عملية السلام التي قادت الى مؤتمر مدريد الشهير والى اتفاقيات أوسلو المعروفة، لتكون بديلاً لهذه المنظمة ولتحل محلها في المفاوضات المستقبلية ولتأخذ دورها في العملية السلمية.

لم تعد حركة «حماس» متمسكة بالتحرير من البحر الى النهر كما قدَّمت نفسها للشعب الفلسطيني وللعرب وللعالم عندما انطلقت في نهايات عام 1987 ولعل ما بات معروفاً ومؤكداً ان ما قامت به خلال الأعوام الأخيرة، أي خلال الانتفاضة التي ساهمت في تحويلها من انتفاضة شعبية على الطريقة «الغاندية» الى انتفاضة مُعسْكرة ومسلحة، كان بهدف إقناع الاسرائيليين والأميركيين ان قرار الحرب والسلام على الجانب الفلسطيني بيدها وأنها أقدر من حركة «فتح» ومنظمة التحرير على الوفاء بكل ما تتعهد به. وهنا فإن ما يؤكد هذا التقدير وهذا الاستنتاج هو ان الاسرائيليين اعترفوا لحركة «حماس» بأنها الأكثر التزاماً بأي هدنة أو تهدئة يتم التوصل إليها وأنها، على هذا الصعيد، إذا قالت فعلت وأنها أكثر الفصائل والتنظيمات الفلسطينية، بما في ذلك حركة «فتح» التي تعتبر الحزب الحاكم في السلطة الوطنية، سيطرة على أعضائها وتحكماً بجهازها العسكري الذي هو كتائب عزالدين القسام.

.. وحتى لا يُفهم هذا الكلام على غير ما هو مقصود فإنه لابد من التأكيد على أنه لا يعيب هذه الحركة، حركة «حماس» سعيها الى السلطة، فهي كما جرى التنويه له، حركة سياسية لا تقاتل من أجل القتال ولا «تجاهد» من أجل الجهاد وإنما من أجل برنامج سياسي يتطلب تطبيقه وتنفيذه الوصول الى الحكم والى السلطة سواءً من خلال العمل العسكري أو من خلال الانتخابات وصناديق الاقتراع.

والآن وقد انسحبت إسرائيل من قطاع غزة وتخلت عن مستوطناتها هناك فإن حركة «حماس» تعرف ان هذا الانسحاب ليس مجرد مناورة سياسية وأنه لم يأت مِنَّةً من قبل الإسرائيليين وإنما جاء نتيجة تحرك عالمي تقوده الولايات المتحدة، وبالتنسيق والتفاهم مع الاتحاد الأوروبي والدول المؤثرة في العالم، هدفه إطفاء بؤرة التوتر في الشرق الاوسط التي تعتبر، وهي كذلك، إحدى محفزات الإرهاب والحركات الإرهابية.

ولهذا فإن هذه الحركة، أي حركة «حماس» تعرف وتعلم علم اليقين انها لن تستطيع الاستمرار بالسباحة ضد التيار وأنها إذا استمرت في رفع بيارق الحرب والاستمرار بالقتال، بينما العالم كله يرفع رايات السلام، فإنها ستعزل نفسها وأنها ستخسر الجولة وأنها ستفقد تأييد الشعب الفلسطيني الذي سئم الانتفاضة وأصبح بحاجة الى التقاط الأنفاس والتهدئة ومزاولة حياة طبيعية ككل شعوب المنطقة.

ولعل ما يجب التنويه إليه، على هذا الصعيد ومن هذا الصدد، ان قيادة حركة «حماس» في الخارج باتت في الآونة الاخيرة، تبدي المزيد من المرونة وذلك بحكم عوامل كثيرة من بينها تدني مساحات الدوائر التي تتحرك فيها وإدراكها لحقيقة مستجدات المعادلات السياسية في هذه المنطقة وفي العالم بأسره وقناعتها بأن الاستمرار بالسباحة ضد التيار لن تكون نتيجته سوى العزلة والتخلف عن ركب القضية الفلسطينية.

ومقابل هذا الموقف الذي غدت تقفه قيادة «حماس» في الخارج فإن القيادة الميدانية الداخلية، التي فرضت عليها ظروف عملها البقاء تحت الارض وبخاصة بعد سلسلة الاغتيالات التي استهدفت الصف الأول من رموزها وفي مقدمتهم الشيخ احمد ياسين رحمه الله، تبدو أكثر تشدداً وأكثر رفضاً للتخلي عن السلاح وعن المقاومة لكن وفي كل الأحوال فإن كفة الاعتدال ستكون هي الراجحة في النهاية وسيكون الهدف هو صناديق الاقتراع وخوض غمار معركة الانتخابات التشريعية التي من المقرر إجراؤها بعد أربعة شهور.

لا شك في أن هناك مخاوف حقيقية من الانزلاق نحو الاقتتال الداخلي والحرب الأهلية ولعل ما يعزز المخاوف هو إصرار بعض دول المنطقة، ومن بينها إيران، على مدِّ يدها نحو الساحة الفلسطينية كما تمد يدها نحو الساحة العراقية لكن يبقى ان حركة «حماس»، بداخلها وخارجها، باتت تعرف معرفة أكيدة ان الشعب الفلسطيني لم يعد يطيق الأوضاع القائمة ولم يعد يحتمل كل هذه الفوضى العارمة وأنه سيقف حتماً ضد أي توجهات للاستمرار بالوضع الحالي حتى وإن كان هذا تحت عنوان «المقاومة» والاحتفاظ بالبنادق الى ان يتم الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الاراضي الفلسطينية التي احتلت في عام 1967.