المغضوب عليهم .. والضالون

TT

إنه لمن نافلة القول التذكير بأهمية ورمزية قرار خادم الحرمين الشريفين بإطلاق سراح الموقوفين الناشطين السعوديين الخمسة من السجن، اضافة الى الخمسة الليبيين المتهمين بالضلوع المباشر في التآمر ومحاولة تنفيذ اغتيال لخادم الحرمين نفسه. وسرعة الاعلان عن هذا العفو الانساني بعد أيام قليلة من تولي الملك حكم البلاد يوضح وفي اسلوب عملي أين تقع أولوياته وعلى ماذا سيركز توجهاته ، حتما سوف يكون على الصورة الكبيرة المليئة بالتفاصيل والتي تشمل حال السعودية ومستقبلها من جهة، وحال العرب ومستقبلهم من جهة أخرى .

ويأتي هذا القرار ليظهر الجانب الفروسي والانساني في شخصية الملك، ولكنه ايضا يظهر ماهية أوضاع الفئات المختلفة التي تقع في ضفة مختلفة من انظمتها. السعودية تعاطت «بسرعة» في عهدها الجديد في أمر سياسي داخلي خاص وآخر خلاف عربي وشخصي مهم، ولكن هناك الآلاف في البلدان العربية الذين لا يعرف وضعهم تحديدا وأين موقعهم: فهل هم من فئة الضالين الذين يطاردون أو يحاكمون أو يسجنون أو يقتلون مطاردة لانهم خطر داهم على أمن البلاد وهم فعل فتنة بلا جدال ؟ أم هم من المغضوب عليهم فيتم نبذهم وازدراؤهم ونشر الاخبار عنهم أنهم غير مرضي عنهم ؟ وهاتان الفئتان حجمهما كبير للغاية في العالم العربي لا يفرق بينهما خلفية اقتصادية أو مكانة أدبية أو علمية وحتما لا اعتبار للنوايا.

الانفتاح النوعي الموجود في العالم العربي على الاصلاح والذي تشهده مؤخرا دول الخليج تحديدا، بات يتطلب درجة أرفع من احسان الظن وسعة الصدر وعدم التشكيك في ما يوجه من نقد أو نصح أو رأي لانه في سياق الصورة الاكبر يعتبر ذلك كله من أساليب البناء وطرق التشييد للأوطان.

وهناك رمزية واضحة في قرار العفو السعودي الأخير في «الجمع» بين من قدم آراء سياسية فيها وجهات نظر اليها باعتبارها «فتنة» و«خروج على الحاكم» ومجموعة أخرى كانت تخطط لاغتيال الملك أنه لن يكون هناك تقسيم بين مغضوب عليهم ولا ضالين بعد اليوم ، وأن هناك هدفا واحدا رئيسيا بات هو المهم، وهو بناء أوطان قوية وتوجيه الانظار نحو من يحاول هدم ذلك سواء أكان الجحور في البلاد نفسها أو من شقق في لندن.

المساحة المفروض إتاحتها لإبداء الرأي وفرضية قبول الرأي الآخر مطلوب أن تتسع أكبر من أي وقت مضى لأن متطلبات الوقت تقتضي ذلك بلا مجاملة . واذا كانت الاحوال يوما تتحمل تقسيم من يعمل ذلك في فئتين بين مغضوب عليهم وبين ضالين، فاليوم هناك خندق واحد وسفينة واحدة تواجه خطرا واحدا، نحو وطن واحد يتيح العيش بكرامة للجميع.