لماذا احتُفِظ بمجلس الاقتصاد الأعلى؟

TT

لاحظت ان من اول القرارات الانتقالية التي صدرت بعد بيعة عبد الله بن عبد العزيز ملكا على المملكة العربية السعودية هو احتفاظه برئاسة المجلس الاقتصادي الأعلى، الذي كان مسؤولا عنه خلال السنوات الست الماضية منذ تشكيله، كولي للعهد.

الاحتفاظ به مؤشر مهم على ان الملك الجديد عازم على الاصلاح الاقتصادي، الذي واجه تحديات حقيقية خلال العقد الماضي بسبب الدخول الحكومية المنخفضة، وتزايد النفقات العامة للدولة، وتوسع سوق طلاب الوظائف.

نعم، الاصلاح الاقتصادي واحد من اهم ما يمكن للسعودية ان تفعله ويحدث اثرا سريعا ومباشرا. التطوير، لا الاصلاح فقط، سيمنح هذا البلد نفوذا حقيقيا، وقوة اكبر على كل المستويات، خاصة ان كل الظروف صارت مواتية مع ارتفاع اسعار النفط. احتفاظه به يدعو للاهتمام، فالأيام الماضية أعلنت الحكومة عن تخصيصها لخدمات حكومية كبيرة، منها تحلية المياه التي تروي معظم البلاد، وكذلك البريد الحكومي لتكون هناك شركات خاصة. وهذا كله امتداد لقرارات سابقة للمجلس; منها مد سكك حديدية من الشمال الى الجنوب، وإلغاء الاحتكار الحكومي للطيران المدني، بإقرار فتح المجال للشركات الوطنية للعمل في قطاع النقل الجوي وغيره.

ولا احد يمكن ان يقلل من صعوبة المسؤولية حتى ان صحيفة «الفايننشال تايمز» اعتبرت ان التحديات التي تواجهها حكومة الملك عبد الله هي اصعب مما واجهته اي حكومة سعودية منذ اربعين عاما، وهي في معظمها قضايا اقتصادية او مرتبطة بالنتائج الاقتصادية. فهناك خمس السكان في بطالة ويمثلون فئة ما دون الثلاثين عاما. ورغم الصعوبات، فان النظام الاقتصادي في أساسه جيد، كونه حرا والحكومة تساند نشاط القطاع الخاص، وبالتالي فالآمال كبيرة ان تكون المرحلة المقبلة سنوات نجاح كبيرة، تركز بشكل استثنائي على تطوير الاوضاع الاقتصادية وتطوير امكانيات البلاد الانتاجية غير النفطية، وتطور قدرات الشباب ليصبحوا مؤهلين للعمل فلا تضطر الحكومة لإدراجها في كوادرها.

وإذا كانت التحديات كبيرة، وهو أمر واضح للجميع من خلال حجم الدين العام، وتزايد اعداد الخريجين ونقص قدرات السوق المحلية، ونقص اوعية الاستثمار المنتجة، وضعف التعليم والتدريب.. رغم هذه الصعوبات الا اننا ندري ان الحكومة قادرة على ان تثبت نجاحها رغم شكوك المراقبين الأجانب. وإعلان الملك عبد الله عن استمراره في متابعة الشأن الاقتصادي، قبل أي قرار آخر، بترؤسه للمجلس الأعلى للاقتصاد يعني ان الاقتصاد على رأس الاولويات.

وهنا علينا ان ننظر الى السعودية لا كبلد واحد، يحل مشاكله ويطور نفسه من اجل عشرين مليون نسمة، بل هو ابو الاقتصاد العربي أيضا. فالسوق السعودية عندما تنشط تدور مكائن الاقتصاد العربي برمته، وعندما يُصاب بالخمول تتكدس البضائع وتنكمش الاقتصادات الاقليمية. ونستطيع ان نرى تبعات الاقتصاد السعودي على اقتصادات المنطقة منذ أواخر السبعينات وحتى اليوم سلبا وإيجابا. اضافة الى انه يوظف نحو خمسة ملايين عربي، يعمل معظمهم في وظائف جيدة ومتوسطة، ويمثلون امتدادا حيويا لاقتصادات بلدانهم. وسيكون هذا التشابك ايجابيا إن نجحت السعودية في تطوير اقتصادها، وهو ما نتمناه.

[email protected]