لا تمسّني بأذى

TT

قرأت أن قصيدة طبعت على لوحات وعلّقت على أشجار الغابات في البرتغال تقول:

«يا من يمرّ بي وتحدثه نفسه بأن يمدّ يده إليَّ، أصغ إليَّ قبل أن تمسَّني بأذى:

أنا نار موقدك في ليالي الشتاء الباردة، والظلّ الذي يحنو عليك ويردّ عنك شمس الصيف، وثماري هي شرابك المنعش الذي يطفئ ظمأك وأنت ماض في طريقك.

أنا العارضة التي تمسك جدران دارك، واللوح الذي تصنع منه مائدتك، والسرير الذي تنام عليه، والخشب الذي تبني به زورقك.

أنا نصاب محراثك، وباب بيتك، وخشب مهدك، وأعواد نعشك.أنا ظلال الرقة، وزهرة الجمال.

فيا من يمرَّ بي! استمع إلى دعائي، ولا تمسني بأذى».

وما أكثر ما مس الأشجار في البلاد العربية من أذى وانتهاك، وهذا الكلام ليس مجانياً، ولا يستطيع أي مكابر أن يدافع عن جبال لبنان وماذا حل فيها، فكل مئات الآلاف من الأشجار التي زرعت إبان وقت الاستعمار الفرنسي لم يبق منها غير النزر اليسير، واسألوا القاطنين جبال الأطلس الممتدة من المغرب إلى تخوم ليبيا مروراً بالجزائر وتونس، اسألوهم عن ملايين أشجار الغابات وهل ما زالت كما هي أم أن أيادي العبث قد لعبت بها، حتى الجبال الخضراء في اليمن السعيد لم يعد اخضرارها مثلما كان بعد أن اقتلعت الأشجار المثمرة وحلت محلها شجرة القات التي يخرج منها (السمن والعسل، والمن والسلوى)، وحتى جبال عسير، وظفار يقطع من أشجارها سنوياً أكثر مما ينبت، ونخيل العراق المشهود له تاريخياً إلى درجة أن كثافته وظلاله اجبر كتاب التاريخ أن يطلقوا على ارض العراق: (ارض السواد)، تلك الملايين من النخيل أصبحت أعجاز نخل خاوية من شدّة (القصف والجنون).. ووسط ارض الجزيرة العربية التي كانت اغلب مراتعها تكتسي بأشجار الغضا والطلح، وكانت الأجيال تحتطب منها (للحاجة)، أصبحت تلك الأراضي الآن شبه (يباب)، بسبب الاحتطاب الجائر الذي ليس له من هدف سوى (المنجهة)، خصوصاً وان من يحتطبه يطبخ أكله على الغاز، ويدفئ مكانه وجسمه بكل انواع التدفئة الحديثة.

ولا أنسى قبل عدة سنوات وكنت في احدى الليالي جالساً مع صديق في حديقة منزله، ودخل علينا احد معارفه، وأخذ يجول ببصره نحو عدّة نخلات باسقات من النوع (المروحي) وقال لذلك الصديق: لماذا تربي مثل ذلك الشجر الذي لا فائدة منه، اقطعه وازرع غيره، وحيث إن ذلك الصديق كان يتأثر بأي كلام يقال له، فما كان منه في اليوم التالي إلاّ أن قطع تلك النخلات الجميلات بكل بساطة، ومن وقتها لم اعتب باب منزله.

ويقال إن ثرياً اشترى مزرعة بثمن يفوق قيمتها الفعلية بسبب شجرة صنوبر يقال إن عمرها قد يصل إلى 300 سنة، وكان ذلك الثري فخورا بها جداً، ولم يصدق كثير من أصدقائه ذلك، فما كان منه إلاّ أن اتصل بمدير أعماله ليتحقق له فعلياً من ذلك.. وبعد عدة أيام أتاه المدير وهو في شدّة الاغتباط وقال: لدي أخبار عظيمة يا سيدي، فالشجرة هي أقدم مما اعتقدنا، فعمرها 332 سنة، فقال الثري وهو في قمة سعادته: شكراً لك، ولكن كيف استطعت أن تحدد عمرها، أجاب المدير: كان الأمر سهلاً يا سيدي، لقد قطعناها وعددنا حلقاتها.

[email protected]