مسودة الدستور العراقي.. من المسؤول عن العرقلة؟

TT

لم يأل ممثلو «الائتلاف الموحد» (الشيعي) جهدا ولم يوفروا طاقة في اتهام زملائهم ممثلي «التحالف الكردستاني» بعرقلة الاتفاق على مسودة الدستور الدائم التي كان يتعين ان تعرض على الجمعية الوطنية في موعد أقصاه الاثنين الماضي. بل تجاوز بعضهم مجرد الاتهام الى التهديد والوعيد بعدم الاستجابة لمطالب الاكراد حتى لو أدى الامر الى حل الجمعية الوطنية.

هل «الائتلافيون» على حق في ما اتهموا وفي ما هددوا وتوعدوا؟

الأكراد يريدون الفيدرالية (الاتحادية)، ويريدون إزالة آثار سياسة التعريب التي مارسها نظام صدام حسين في المناطق الكردية والتركمانية والكلدوآشورية، ويريدون تثبيت حق تقرير المصير إذا ما جرى انتهاك للدستور الذي تجري صياغته الآن.

هذه جميعا ليست بالمطالب الجديدة، فهي قائمة منذ أكثر من عشر سنوات. الاكراد لم تكن لديهم اجندة سرية.. لم يخفوا مطالبهم، فالفيدرالية تبناها برلمانهم المنتخب في العام 1992، بل ان القوى والشخصيات الرئيسية في حركة المعارضة لنظام صدام حسين، بما فيها الغالبية العظمى من قوى وشخصيات «الائتلاف» أقرت لهم بهذا المطلب واعترفت لهم بحق تقرير المصير وأيدت مطلبهم بإزالة آثار التعريب، وهو مطلب قائم أصلا منذ ما قبل العام 1970 وكان عدم تحقيقه من قبل نظام البعث احد الاسباب الرئيسية لانهيار اتفاقية الحكم الذاتي (مارس/آذار 1970).

لندع بعض الوثائق تتكلم:

ـ «ان الاوضاع المأساوية التي عاشها الشعب الكردي تدعو لاعتماد حل سلمي ديمقراطي للقضية على أساس قواعد القانون الدولي المعاصر وميثاق الامم المتحدة ومبادئ الشرعية الدولية، وهو ما يضع مسألة حق الامم والشعوب في تقرير مصيرها كإحدى الوسائل المطروحة على بساط البحث وكإطار مناسب لحل المشكلة الكردية» (مؤتمر المعارضة في فيينا ـ يونيو/حزيران 1992).

ـ «السعي لإعادة جميع المهجرين العرب والكرد والتركمان والآشوريين الى قراهم وقصباتهم ومدنهم التي هُجّروا منها خلال السنوات العشرين ونيف الماضية» (اجتماعات المعارضة في صلاح الدين وشقلاوة التي انبثق عنها المؤتمر الوطني العراقي الموحد/ سبتمبر/أيلول 1992).

ـ «يعمل المؤتمر.... لقيام نظام ديمقراطي فيدرالي برلماني تعددي يحترم حقوق الانسان في اطار المؤسسات الدستورية وسيادة القانون واستقلال القضاء» (المادة الاولى من النظام الاساسي للمؤتمر الوطني العراقي الموحد ـ التاريخ نفسه).

ـ «ثانيا: مستقبل العراق والديمقراطية: العراق دولة ديمقراطية برلمانية تعددية فيدرالية» (البيان السياسي لمؤتمر المعارضة العراقية في لندن ـ ديسمبر/كانون الأول 2002).

ـ «يدين المؤتمر التهجير القسري والتطهير العرقي واستخدام الاسلحة الكيمياوية وتغيير الهوية القومية وما جرى من تغيير في الواقع القومي لمناطق كركوك ومخمور وخانقين وسنجار والشيخان وزمار ومندلي وغيرها ويدعو المؤتمر الى ازالة آثارها، وذلك عبر الاجراءات التالية:

أ ـ عودة المهجرين الى ديارهم واعادة ممتلكاتهم اليهم وتعويضهم عما لحق بهم من خسائر.

ب ـ اعادة الوافدين الذين جلبتهم السلطة لإسكانهم في المناطق المشار اليها اعلاه الى اماكنهم السابقة.

ت ـ عودة الكرد الفيليين وجميع العراقيين المهجرين بذريعة اصولهم الايرانية.

ث ـ إلغاء جميع الاجراءات الادارية التي قام بها النظام منذ سنة 1968 والتي استهدفت تغيير الواقع الديموغرافي في كردستان العراق» (نفسه).

أضف الى هذا، قانون ادارة الدولة واتفاق الشراكة الحكومية بين «الائتلاف» والتحالف الكردستاني.

ليست المطالب الكردية المعلنة منذ سنوات مسؤولة عن عرقلة صياغة مسودة الدستور، بل مطالب «الائتلاف» التي رفضها التحالف الكردستاني والقوى الوطنية والديمقراطية الاخرى هي المسؤولة، فهذه المطالب، فضلا عن انها ظلامية ومتخلفة، جديدة لم يجرؤ اصحابها على الافصاح عنها من قبل، بل انهم يتراجعون بها الآن عن مواقف اعلنوها في السابق، كتبنيهم الديمقراطية والتعددية وحقوق الانسان التي كانوا يمقتونها في الماضي. انهم يكشفون بهذه المطالب عن اجندة سرية أخفوها، يسعون من خلالها الى اقامة ديكتاتورية ولاية الفقيه (المرجعية) وترسيخ أكثر العادات والتقاليد الاجتماعية تخلفا ووحشية (التطبير) واعادة المرأة الى عصر الحريم (تغيير قانون الاحوال الشخصية).

التحالف الكردستاني يستحق كل التقدير من كل الوطنيين العراقيين وأصدقائهم بتمسكه بمطالبه المُجمَع عليها وطنيا ووقوفه في وجه مطالب ظلاميي «الائتلاف».

[email protected]