العقبة.. ونظرية مربع «البحر الأحمر» الملتهب !

TT

أهم ما يمكن استنتاجه من العملية الإرهابية التي كانت مدينة العقبة الاردنية، على البحر الاحمر، مسرحاً لها يوم الجمعة الماضي هو ان هذه المنطقة التي تلتقي عندها حدود ثلاث دول عربية هي مصر والاردن والمملكة العربية السعودية، بالاضافة الى اسرائيل غدت هدفاً دائماً للجماعات والتنظيمات الإرهابية الناطقة كلها باسم «قاعدة» أسامة بن لادن والمدعية الانضواء تحت جناحها.

والاسباب هنا كثيرة ولعل أهمها ان هذه المنطقة، التي يمكن تسميتها من الآن فصاعداً بـ«المربع الملتهب»، تعتبر ذات أهمية قصوى بالنسبة لهذه الدول جميعها، فهي منطقة اقتصادية، تجارية وسياحية، وهي منطقة خطوط مواصلات دولية وهي فوق ذلك قد تحولت في السنوات الأخيرة الى مركز سياسي عالمي استضاف العديد من المؤتمرات العربية والكونية وعلى مستوى القمة.

لم تكن البارجتان الاميركيتان الراسيتان للاستراحة في خليج العقبة هما الهدف الحقيقي، ولعل كل التقديرات التي ذهبت إليها بعض وسائل الاعلام بهذا الخصوص بمثابة «التغميس» خارج الصحن، فهذه المدينة الاردينة التي أصبحت عاصمة الاردن الاقتصادية استهدفت مرات عدة قبل هذه المرة وفي فترات لم تكن المواجهة قد اندلعت بعد بين «القاعدة» وباقي فصائل الإرهاب العالمي والولايات المتحدة الأميركية.

ولعل ما يعزز حقيقة ان عملية العقبة صباح يوم الجمعة الماضي لم تكن تستهدف البارجتين الأمريكيتين وأنها كانت تستهدف السياحة، كشريان حيوي اقتصادي للأردن، أنها، أي هذه العملية تأتي في نطاق منطقة «طابا» و«شرم الشيخ» المصريتين اللتين استهدفتا بعمليتين مماثلتين وأن التنظيم الذي كان أعلن مسؤوليته عن هاتين العمليتين وهو: «كتائب الشهيد عبد الله عزام ـ تنظيم القاعدة في بلاد الشام وأرض الكنانة» هو نفسه الذي أعلن مسؤوليته عن هذه العملية الجديدة.

ثم وبالتأكيد فإن هذه العملية، وهذا ما قاله الإسرائيليون وأكدوا عليه، لم تكن تستهدف اسرائيل، فالصاروخ الذي سقط في منطقة محاذية لمطار إيلات الاسرائيلي وهو أحد ثلاثة صواريخ ، انطلق كل واحد منها في اتجاه مغاير لاتجاه كل من الصاروخين الآخرين، اعتبره الخبراء صاروخاً شارداً وان هدفه الاساسي هو المنطقة السياحية الاردنية التي تقع فيها معظم فنادق الدرجة الاولى، والتي غدت اكثر اكتظاظاً بالسياح بعد استهداف منطقة شرم الشيخ السياحية المصرية بتلك العملية الإرهابية الدامية.

هناك الآن ملاحقات ومتابعات وتحقيقات تقوم بها الاجهزة الأمنية الاردنية، ولذلك فإنه من المبكر الجزم نهائياً بما إذا كانت «كتائب الشهيد عبد الله عزام ـ تنظيم القاعدة في بلاد الشام وأرض الكنانة» هي التي قامت فعلاً بهذه العملية وإنها بالفعل هي التي نفذت عمليتي «طابا» وشرم الشيخ، لكن ومع ذلك فإنه بالإمكان إيراد بعض التقديرات الهامة التي تصل الى مستوى المعلومات ومن بين هذه التقديرات تقديران رئيسيان هما:

أولاً، ان العراق هو مصدر الصواريخ الثلاثة التي استخدمت في عملية العقبة يوم الجمعة الماضي، وان هذه الصواريخ جرى وضعها في مستودع في المنطقة الصناعية ـ الحرفية جرى استئجاره من مواطن أردني من قبل اثنين من العراقيين واثنين من المصريين قبل ثلاثة أيام من اليوم الذي نفذت فيه هذه العملية.

ثانياً، إن الثابت ان الذين قاموا بهذه العملية قد جاءوا من الخارج وهذا يعني، رغم ان الاجهزة الامنية الاردنية لا تستبعد وجود متعاونين أردنيين معهم ، ان الخلايا المحلية الارهابية النائمة، هذا إذا كانت هناك خلايا إرهابية نائمة، مصابة بالشلل والعجز وعدم القدرة بسبب الملاحقات والرقابة الصارمة التي تمارسها المخابرات الاردنية عليها.

وهنا فإن السائد لدى الاوساط الرسمية الاردنية ولدى الجهاز الامني الاردني هو ان عملية العقبة لن تكون الاخيرة ، وأنه كما جرت محاولات كثيرة تمَّ إحباطها قبل التنفيذ في السنوات الماضية فإنه ستجري محاولات جديدة إن في هذه المدينة الساحلية التي تعتبر العاصمة الاقتصادية وإن في مدن اخرى من بينها العاصمة السياسية عمان، فالأردن يأتي في طليعة الدول العربية وغير العربية المنهمكة في المواجهة المحتدمة مع الارهاب وهو يقع في قلب المنطقة التي يستهدفها هذا الارهاب هذا بالإضافة الى وقوعه بين أزمتين متفجرتين طاحنتين .. الأزمة العراقية من الشرق والأزمة الفلسطينية من الغرب.

وكخلاصة وبالنتيجة فإنه لا بد من التـَّنبُه الى عدم التقليل من شأن بروز اسم «كتائب الشهيد عبد الله عزام ـ تنظيم القاعدة في بلاد الشام وأرض كنانة» في عملية العقبة صباح يوم الجمعة الماضي كما كان برز في عمليتي «طابا» وشرم الشيخ والعملية التي لم تهتم بها وسائل الاعلام ، على الرغم من أهميتها ، التي استهدفت القوات المتعددة الجنسيات في سيناء وأيضاً في بعض العمليات التي استهدفت سوريا ولبنان.

إن هذا معناه ان «القاعدة» بأذرعها وخلاياها وتنظيماتها ربما تكون قد بادرت الى تشكيل غرفة عمليات واحدة في هذه المنطقة وان هدفها ليس إسرائيل ولا الاميركيين ولا بوارجهم وإنما المرافق الاقتصادية التي تعتبر العمود الفقري للدول العربية الواقعة في هذا الاطار وهذا يستدعي أساليب مواجهة غير الاساليب السابقة، ويستدعي الاهتمام بالحدود وفي كل هذه الدول، بقدر الاهتمام بالداخل كما يستدعي غرفة عمليات استخبارية واحدة لـ«بلاد الشام والجزيرة العربية وأرض كنانة».