لا تسجنوا أبو مازن

TT

اشعر بان محمود عباس رئيس فلسطين يسير في الطريق اياها، التي مر بها سلفه ياسر عرفات، حيث حبس وراء أسوار رام الله وأغلق عليه مكتبه. رحمه الله كان حبيس الفريقين، المتطرفين من رفاقه الفلسطينيين والمتطرفين من اعدائه الاسرائيليين. فرفاقه انتشوا بشهامته وبطولاته، ونهوه عن تسليم احد من الملاحقين من كبار المتهمين في سفينة الاسلحة الذين لجأوا الى بيته. كما حاصرته الحشود الغفيرة بشعاراتها خارج مكتبه الرئاسي تشيد بصموده فتزيد من عزلته.

وفي كل مرة كانت تلوح بادرة انفراج، ينفذ المتطرفون من رفاقه تفجيرا يقتل اناسا، لتتوعده اسرائيل بالويل، رغم ان عرفات كان كل مرة يعلن شجبه للعمليات الانتحارية ويصفها بالإرهابية. الأكيد انهم تكالبوا عليه حتى مات هما وغما.

ابو مازن يسير في الدرب نفسه، حيث تتكرر مشاهده. فأبو عمار كان قد حسم امره بالتفاوض ومنع العمليات العسكرية، لولا ان المتمردين من رفاقه خذلوه في احلك ايامه، وأضعفوه امام خصومه، وأظهروه امام الملأ زعيما لا يطاع له أمر، وانه مجرد اب يوزع قبلاته على محبيه من نافذة مكتبه المحاصر. الآن ابو مازن سيواجه زمنا صعبا مع الفصائل المتمردة التي تتحداه، بأنها لن تنصاع لأوامره ولا تريد تحرير الاراضي المحتلة، الا على طريقتها بالسلاح، لا على طريقته بالبدلة وربطة العنق.

كلنا نخشى، ونرجو ان نكون مخطئين، ان معركة آتية ولا بد ان يحسم احد الطرفين لمن الحكم. ستكون مواجهات مؤلمة تقسم الناس وتؤذيهم. نرجو ان تخيب تصوراتنا هذه، لكننا نرى ابو مازن يدخل الزاوية الحرجة اياها التي دخلها أبو عمار نفسه من قبل. سيضطر للتنازل كل يوم لكل طرف، كما تنازل أبو عمار عن كل متر من الأرض للاسرائيليين، كان قد كسبه في اوسلو، ثم خسرها مدينة بعد مدينة وقرية بعد قرية حتى انتهت دباباتهم تربض قبالة مقره في رام الله.

ايضا، وفي كل مرة كان يقذف المتمردون صاروخ كاتيوشا ، او يرسلون اولادهم للتفجير في مطعم او مستشفى، كان ابو عمار يخسر كل ما ربحه دوليا وعربيا وفلسطينيا، حتى انتهى مهزوما مكسورا محاصرا يتعاقب الاطباء على فحصه عند كل ازمة. لا شك في انهم جميعا تآمروا عليه، فلم يعدل معه الاسرائيليون ولم يعطف عليه الفلسطينيون المتمردون.

مشاعرنا مع ابو مازن، لا تقل عن مشاعرنا مع الرئيس الراحل، خوفا عليه، ورجاء له، لكن السياسة وإدارة الدولة لن تدار بتمنياتنا. تمنياتنا ان الذين يختلفون معه، ان يختلفوا ديموقراطيا، فلا يخذلوه امام اعدائه، ان يعطوه فرصة ليثبت لهم وعده ويبرهن للعالم انه عند كلمته. تمنياتنا للكبار في حماس والجهاد والفصائل الا يحاربوا رئيسهم مهما بلغ الخلاف معه، وتباعدت المصالح بين الفرقاء، فحقوقهم لن تسلب مهما طال الزمن سواء كانت مناصب في ادارة الدولة او قولا في صيغة التحرير النهائية.

[email protected]