المرأة السعودية: تمسكي بحقك بشرط الوعي

TT

«وهل ما زالت المرأة السعودية ممنوعة من قيادة السيارة؟»، إنه السؤال النمطي الذي مللت سماعه بمجرد إعلاني عن هوية بلادي، فهل يعود هذا الاهتمام الفضولي، الذي يشترك في طرحه الشرقي والغربي على السواء، إلى غرابة استمرار المنع وفي هذا العصر، أم أن المسألة لا تتعدى إطار التهكم المبطن!، خاصة أن الإجابة غالباً ما تكون معروفة سلفاً لدى السائل!. على كل، ليست النوايا هي شاغلي، إنما الإشارة إلى أن منع المرأة من قيادتها للسيارة من أوائل المآخذ التي يتحفنا بها الآخرون عن نسائنا، والتي كالعادة لا نجد ما نرد به عليهم سوى الكلمات التي ألفنا تكرارها في كل فضائية ووسيلة إعلامية: «مسألة وقت، التغيير آت لا محالة، لنستعد له، قضية مجتمع، لا يوجد مانع شرعي.. الخ». باختصار أوضح، يبقى الحال على ما هو عليه، فما العمل وقد بلينا بحب القديم على ثقة بأن كل جديد فيه دمار!، بل ويظل رأيك في المرأة من أسرع المواضيع التي تقودك إلى الكفر أو الإيمان في نظر المتربّصين، فإن ناديت بتقدمها، فأنت ومن معك حطب جهنم، وإن أشفقت عليها من معاناة تشقيها وطالبت ببديل يريحها، اصطف أمامك كل من يشكّك بحلولك ودوافعك، وإن سألت عن صوتها في ما يخصها، ضج الوسط بمئات المنشورات والانتقادات التي تتكلم بلسانها، أو حتى بأسمائها.

أثير منذ فترة في مجلس الشورى السعودي جدل واسع حول السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، وهو باب للنقاش أعيد فتحه وكان موارباً، فهبت معه رياح للمقاومة تصاعدت إلى رفض المبدأ من أساسه، واتهام كل مخالف له بالنفاق والإلحاد، إنه ما سمي بـ«بيان العلماء وطلبة العلم حول قيادة المرأة للسيارة»، وحمل 118 توقيعاً سعودياً، من بينهم 33 من حملة درجة الدكتوراه، ولخلو أسمائه من ذكر امرأة واحدة، ألحق بخطاب آخر مذيّل بتوقيع 500 امرأة (انظر إلى الإصرار والمتابعة)، رفع إلى الملك عبد الله بن عبد العزيز بتاريخ 30 من الشهر الماضي (كان ولياً للعهد وقتها)، ترفض فيه النساء قيادة السيارة، وتناشد عدم الالتفات إلى غير ذلك، فمكانهن الطبيعي في بيوتهن، والسؤال: ماذا عن العمل والخروج وغالبية الموقّعات من الأكاديميات والطبيبات والمعلمات؟، الجواب: يعزُّ عليّ أن أرى نساء وطني بهذا التناقض الفاضح، فماذا بعد أن تدعو المرأة إلى إنشاء وزارة لها يديرها الرجال (ورد في الخطاب)؟، هل يعقل أن تستخفّي أيتها الأنثى بقيمتك إلى هذه الدرجة!، أين عقلك وفكرك وتدبيرك في أمرك؟، أم تراك تنازلت عنهم!، وفي مقابل ماذا؟، الأسرة والزوج والأبناء!، حسناً وألف حسن، فهذه رسالتنا الأولى، لكنها ليست الأخيرة، فأنت إنسانة ومن حق الحياة عليك أن تعيشيها، وما لم يعانقك عشقها، فلن تخرجي من بؤرتك، التي يزيد من عمقها استمراؤك في إهدار حقوقك. نعم، لم تقف هذه الحقوق عند قيادة السيارة، في ظل شظف العيش وتأمين المستلزمات، لكن إذا كان حالك التهاون في هذا وذاك، في الصغير قبل الكبير، فلن تتخلصي من دموعك وقهرك والفراغ الذي يسيطر عليك آخر نهارك، ولا يقنعك كائن مَن كان أن الإسلام يحجب عنك ما فيه صالحك، فاقرئي بنفسك تفاسير دينك، فهي بيّنة، واجتهدي في حب الإله، ولا تشوّهي رسالته إليك في تحريم ما أحله لك، اشحني نفسك بثقة تعرف كيف تتصرف في شؤونها بمنطق، فمن قال إن مقود السيارة الذي ستجلسين خلفه يعيق حجابك!، أو أن شخصيتك بالضعف الذي لن يخوّلها الحديث مع شرطي المرور أو العامل في محطة بنزين!، ثم هل اختزلنا كل الرجال إلى ذئاب، وكل النساء إلى مستسلمات!، هكذا بكل بساطة مسطّحة، فأين هي أخلاقنا التي نفاخر بها؟، وهل يعاقب المجتمع ويحرم من تطوره قياساً على وجود الشاذ بين أفراده؟، شبابنا هم أبناؤنا، فكيف نفترض فيهم الانحطاط ونحن أمهاتهم؟، هل نكون قد فشلنا إذن في تربيتهم؟، أم يكون الخلل في لعبة الفصل التام، ومعاندة الطبيعة البشرية التي يحلو لنا ممارسة سطوتها وفي عز الأماكن العامة؟.

حين سُمح أخيراً للشباب بالتجول في الأسواق بمفردهم ومن دون عائلاتهم، هل صدر عنهم ما يدعو إلى سحب الترخيص منهم؟، وحتى وإن سجّلت بعض الحالات غير المرضية، فهل يكون الحل في القانون أو في سوء تطبيقه؟، فمن الفطرة أن يتنازع البشر، الذكر والأنثى، وقد كانوا يأتون أيام الرسول عليه الصلاة والسلام ويقصون عليه أخطاءهم فيرشدهم إلى ما فيه صلاحهم، فنحن لا ملائكة ولا شياطين، إنما تائبون في كل يوم وفي كل لحظة من هفوة أو نسيان، هكذا خلقنا ربنا، وهكذا أرادنا، فكفانا تحايلاً على سنّة الله في خلقنا.

سيدتي، البطالة والفقر والتدهور الاجتماعي الذي مُنيت به المرأة في الدول القريبة، كما ذكرت في خطابك، لم يحصل بسبب خروج المرأة، ولن ينتفي بمكوثها داخل غرفتها، والمهنة التي تجدي فيها امتهاناً لإنسانيتك وجنسك، ارفضيها على فورك، وتعرضك للتحرش يمكنه أن يقع في أي مكان وتوقيت، ومع سائق ومن دونه، وأنت أعلم الناس بذلك، أمّا تحديد عدد القنوات فليس في حاجة إلى خطاب لولي العهد، بعبارة أخرى، لا تلغي ارادتك، لا تقللي من قوة إيمانك، لا تهبطي بعزيمتك ومبادراتك مستوى من يسيّرها الآخرون. وقبل أن أنهي كلامي، هل أنا مع قيادتك للسيارة؟، عملياً، لست من المتحمسات للفكرة!، لعلمي المسبق بأن ثقافتنا ستنتهي بنا إلى التمييز بين تلك التي تملك أن تستقر خلف سائقها، وأخرى ترك لها زوجها مهمة إيصال الأبناء للمدارس وشراء الخضار في طريق عودتها، فحتى هذه الرخصة، ستجيّر لصالح الرجل، إن جل سعيي ليس فيمن يقود المركبة، في المقعد الأمامي أم الخلفي، إنما في عقل ونضج من «تجلس» فيها.