العالم الذي لا يدور حولنا

TT

خلال الايام الماضية اخذت اجازتي، بعد ان سبقني غيري اليها في الاعياد الماضية. والسؤال الذي يسكن عقل اي عامل في صحافة الحدث عندما يقرر الانعزال كيف يستطيع الهرب وعالمان يلاحقانه في كل مكان، فمعظم الاحداث الكبيرة محورها عالمنا وتختار الاوقات السيئة، وتحديدا في زمن الاجازات، او هكذا يبدو لنا.

وفي عصر العولمة، كما نردد اليوم، الانسان قريب مهما رحل بعيدا. ولحسن حظي، او لحسن تخطيطي، لم اعان من مشكلة القرب في جبال كلورادو في الوسط الغربي للولايات المتحدة. فهي بيئة معزولة، مثل اي قرية في غرب الصين او اي ارخبيل في اندونيسيا. فيها تشعر ان العالم بدل حركته ولم يعد يدور حولنا. اليس هذا هو شعورنا في العالم العربي دائما، نحن شاغلو العالم وهو مشغول بنا، او هكذا نعتقد.

خلال الايام الماضية لم ار محطات الاخبار العالمية مثل معظم عامة الناس، وبالتالي لم الحظ الا القليل من احداث العالم، كنهاية خطف الطائرة الروسية وانباء عن وصول حمى القلاعية الى الابقار الاميركية.

لكن هذا لا يعني ان العالم البعيد يعيش فراغا من الاحداث، هنا في رأس الجبل القناة التلفزيونية الأكثر شعبية هي محطة متخصصة في نشرات الطقس على مدار الساعة، والموضوع المهيمن هنا العاصفة الثلجية التي لم تهب مثلها منذ واحد وعشرين عاما. وان كانت قصص المناخ مملة، وهذا ليس صحيحا بالنسبة للسكان المحليين والزائرين، فهناك غيرها. ففي تلك الليلة وقعت جملة حوادث على الطرق السريعة وحادثة بعينها شغلت الناس لليلة واحدة على الاقل. فقد انزلقت سيارة بفعل الجليد وتدحرجت عدة مرات الى الطريق المقابل، الا ان راكبيها خرجا سالمين بدون خدوش وتحادثا مع جمع من اهل النجدة والفضوليين، ثم انصرف الناجيان نحو سيارتهما واذ بأخرى تأتي لتصدمهما ليتوفيا على الفور. صحيح ان العالم اصبح صغيرا بسبب وسائل الاعلام لكنه بقي واسعا وفسيحا ومتباعدا بحكم اختلاف الاهتمامات. فالعالم لا يدور حول موقع واحد كما يخيل لكثير منا، بل دائم الدوران وحول كل زاوية في العالم. لهذا فالاعتقاد الدائم باننا، افرادا وجماعات وقضايا، محط الاهتمام لم يدخل الغرور في رؤوسنا فقط بل ادخلنا في ثلاجة الوقت، قتل احساسنا بحقيقة انفسنا، فلم نعد ندري فعليا حجم الحركة التي تتجاوزنا ولم نعد نشعر بفداحة الخسائر التي كلفتنا اياها هذه الغيبوبة. لا شك ان عالم منطقتنا كبير ويستطيع ان يدور حول نفسه طويلا، لكنه ليس العالم كله كما يتراءى لكثيرين. فالعوالم الأخرى مشغولة بنفسها وباحداثها وبقضاياها وطموحاتها واخفاقاتها اعظم مما هي مهتمة بنا. لهذا لن يأتي الحل لأي قضية من قضايانا الا من داخلنا وليس من الخارج البعيد المشغول. ومن لا يزال يؤمن بمقولات مثل ان العالم لا يستطيع ان يعيش بدوننا، عليه ان يمتحن نفسه خارج اطار الفنادق الكبيرة ومحطات الاخبار المعولمة ليجد عوالم كبيرة ومليئة غافلة عنا جدا.