الساحر مصاب بالبرد

TT

طوال الاعوام الماضية كان هناك ساحر واحد في «المجتمع الافتراضي» الاميركي هو «آلان غرينسبان»: كلمة من فمه الذهبي وترتفع بورصة نيويورك مئات النقاط، او مئات المليارات. واذا ما ارتفع «وول ستريت» تبسمت اسواق العالم وانفرجت اسارير الاقتصاد الدولي. وكلمة اخرى من المستر غرينسبان، او مجرد تجهّم او حتى الامتناع عن الكلام، كان يؤدي الى ارتجاج «وول ستريت» وخسارة المليارات ومحوها من الذاكرة، افتراضية او واقعية.

يبدو ان كل شيء قد فقد بريقه وسحره في الاشهر الاخيرة: اولاً، الذهب نفسه، الذي «تتخلص» منه البنوك المركزية كما تتخلص اميركا وكندا من فوائض القمح والحليب المجفف. وبعده ذهب «وول ستريت» وماسها. قديمها، وجديد نيويورك. كل المؤشرات القديمة والحديثة. الاقتصاد القديم والاقتصاد الجديد. وهكذا عندما اعلن المستر غرينسبان الاسبوع الماضي، خفض معدل الفائدة بنصف في المائة، تبين انه هو ايضاً فقد سحره، فأخذت البورصة تهبط بدل ان ترتفع وظلت اوراقها تتناثر حتى نهاية الاسبوع عندما دب فيها شيء من الانتعاش الذي لا يكفي لعودة الوعي.

العام 1982 كان مؤشر البورصة الرئيسي، «داو جونز» يراوح عند 777 نقطة، وهو ادنى مستوى له منذ العام .1966 وفي كانون الثاني (يناير) 2000 بلغ ذروته عندما وصل الى 11.722 نقطة، اي 15 ضعفاً في 18 عاماً. اما مؤشر نازداك فقد تضاعف في الفترة نفسها 30 مرة. لكن فجأة بدأ الدولاب (العجلة) يدور قبل 12 شهراً في الاتجاه المعاكس. وتبخرّت في فضاء «وول ستريت» اكثر من 4.600 مليار دولار (ديون روسيا 60 ملياراً) وخسر مؤشر «نازداك» 60% من قيمته. وفقد الاميركيون احلامهم بالثروة السهلة التي راهنوا عليها بما يملكون وبما اقترضوا وبما رهنوا او باعوا من عقارات واملاك وسندات تقاعد.

.... ولا تبدو في الافق بوارق سعيدة. ومنذ ان جاء جورج دبليو بوش والاقتصاد الاميركي يزداد تباطؤاً. ولم يستطع ان يحرك اي شيء باقتراحه خفض الضرائب. وفي الجانب الآخر من المحيط الهادي يتهاوى الاقتصاد الياباني على نحو مقلق ويبهت بريق السحر الياباني بدوره بعد سنوات خيالية في عالم الصناعة والازدهار. واذا كانت بورصة نيويورك ترّج معها بورصات الغرب الكبرى فان الاقتصاد الياباني يهز معه اقتصادات آسيا المتعبة اساساً، خصوصاً كوريا الجنوبية وربما الصين، بالاضافة طبعاً الى المتاعب الآتية من اهتزاز اندونيسيا السياسي ومن تباطؤ ماليزيا وبقية «النمور» الاسيوية التي بدا ذات يوم انها تحقق انجازات فلكية فيما تتدحرج افريقيا من قاع الى قاع.

لكن كل حركة الاسواق المالية في العالم، خصوصاً الرئيسي منها، مرتبطة، بشكل او بآخر، بالمناخ السائد في «وول ستريت». وهو مناخ غير مستقر. وكذلك مناخ الاقتصاد الاميركي برمته. وعندما تعطس اميركا على العالم ان يصاب بالرشح.كما في السياسة كما في الاقتصاد.