اهداء الكتب وتبادلها بين الادباء والشعراء سنة جارية بينهم، اعتاد الناس على حمل الورود أو العطور أو الفواكه ليهدوها لمضيفيهم عند الدعوات، ولكنني شخصيا لا أحمل معي غير واحد من مؤلفاتي لمن يستضيفني أو استضيفه وانا اردد هامسا في اذنه المثل العراقي: «ماكو ببيت (الـ......ة) غير الفراش والشربه.
لزميلنا الشاعر د. فؤاد حداد اشعار اخوانية كثيرة في مثل هذه المناسبات. فبدلا من الاستشهاد بالمثل العراقي البذيء كما افعل، ينشد لهم شعرا ظريفا في المناسبة. الاستاذ حسن الكمي ابو زياد، من عشاق الكتب وكانت له مكتبة عامرة، ولكن الطمع بالكتب مثل الطمع بالفلوس لا يحده حد، دخل يوما بيت الدكتور فؤاد فوجد ديوان شعر طمع به وتوسل بصديقه ان يهديه إياه. فأبى. خرج ابو زياد في زعل دام عدة اسابيع قاطع فيها صاحبه. ويظهر ان المقاطعة هنا احدثت اثرها، على خلاف مقاطعة العراق. فلم يجد فؤاد حداد غير ان يتنازل عن تحفته ويقدمها لصاحبه مع هذه الابيات:
حب اقتناء الكتب رمز للكريم الامجد علمتنيها خلة والناس فيكم تقتدي فاذا بخلت عليكم يوما لنا بمجلد فالله يعلم يا أخي ما البخل كان بمقصدي اني انادي في الورى وعلى رؤوس الشهد اني الضنين بكتبه (وأبو زياد) المبتدي انت الامام وشيخنا وبضوء علمك نهتدي لكنني احببتكم حبا يفوق تجلدي فأتيتكم بكتابنا مستغفرا يا سيدي في مناسبة اخرى، غريبة نوعا ما، طلبت السيدة زينو زوجة صديقه الدكتور عصام الناظر، ان يهبها نسخة من المصحف الشريف لتضعها على رأس ابنها باديس تيمنا ببركة كلام الله. فجاءها فؤاد بنسخة انيقة ذيلها بشيء من شعره قائلاً:
كتاب الله يا زينو يسبح آيه الكون ففيه الحرز من شر وفيه الخير والأمن وهبناه لباديس وباديس له شأن فخير الناس أهلوه وأحلى ما رأت عين وهم للقلب أحباب وللأحباب هم زين وهذا المصحف الهادي فمنه السعد والعون وصفت طلب السيدة زينو بالغرابة لأن صديقي فؤاد مسيحي، وكان المفروض ان تطلب مثل ذلك من مسلم، ولكن الدكتور فؤاد، كما اجده مرارا، مسيحي متنكر، كما قد يستشف القارئ من هذه الابيات التي تزخر بالايمان، وهذه ناحية جعلت زميلي امام محمد الامام يغار منه على ما يظهر. كثيرا ما يسمعني افتح التلفون على فؤاد لاستشيره في نقطة أو واقعة تتعلق بالاسلام أو التاريخ الاسلامي. لم يطق صبرا فقال لي يوما، لماذا تستشير نصرانيا ولا تستشيرني انا المسلم والمسؤول عن صفحة الدين؟ قلت له انت واحد من الدعاة، وحيادك في الموضوع مشكوك فيه! فضلا عن ذلك الدكتور فؤاد طبيب اسنان، واذا كنت أئتمنه على حشو ما في اسناني من ثقوب فمن باب أولى ان أئتمنه على حشو ما في تاريخنا من ثقوب وفجوات.