جدل مسودة الدستور .. لماذا تحضر لغة الدم حين نفشل؟

TT

خلال الأسابيع الماضية كانت مسألة مسودة الدستور العراقي الحدث المهيمن على الساحة وهو أمر يستحق كل ذلك الاهتمام باعتباره اللبنة الأولى لاستقرارالعراق وبدء الحديث عن مرحلة ما بعد الاحتلال ، وانتقل الجدل والخلاف حول عدالة المسودة تجاه كل الأطراف من كونه شأناً عراقياً إلى تحوله إلى مسألة عالمية يحاول الجميع فرض رؤيته الخاصة بل ومزاجه الآيديولوجي عليه ، الولايات المتحدة وبريطانيا تريان في الصيغة المقترحة للدستور ضماناً لوحدة العراق واستقراره، فيما اعترضت الجامعة العربية على لسان السيد عمرو موسى المسودة لتهديدها عروبة العراق ولتغليبها مصلحة الأقلية الغالبة على الأكثرية المغيبة ، وهذا ما يتفق عليه حلفاء الصوت السني الغائب أو المغيب ويزيدون أن تلك المسودة من شأنها إلغاء هوية العراق العربية والإسلامية، أصحاب هذا الاتجاه يرون أن منطق السنة في الاعتراض على مسودة الدستور لا يمثل حجمهم في الخارطة العراقية بل يمثل من وراءهم من الأكثرية الغالبة على امتداد العالم الإسلامي، وهذا يعني أن عدم الانصياع لمطالبهم يعني تحول كل المترددين والمشككين بشرعية ونجاعة المقاومة في عملياتها الانتحارية الموجة ضد الجميع بدون تمييز إلى مؤمنين بهذا الخط الدموي كوسيلة وحيدة للتعبير عن رفض العراق الجديد على حساب عراق التاريخ والمجد الحاضر بقوة في العقل الجمعي العربي والإسلامي حتى وصل الأمر بأحد الكتاب أن يعتبر هذا الفشل في إقرار إجماع على المسودة نجاحاً يحسب للإرهابيين لأن الجميع سيعذرهم من وجهة نظره !

ومع التسليم بوجاهة بعض الاعتراضات السنية على المسودة، لا سيما في ما يتعلق بتوزيع الثروات بين المركز والأطراف، إلا أن كثيراً مما كتب حول مسودة الدستور في الأيام الماضية لا يخرج عن كونه تدويراً للمسألة الطائفية والقومية والإثنية بشكل أو بآخر، وهي ذات المعضلة التي لا تزال مهيمنة على الذهنية العربية، وهذا لا يعني تبرأة باقي الأطراف، فالمشكلة أعمق بكثير من كل الشعارات المزيفة كالتقريب والمواءمة والحوار.. الخ ، والتي تثبت مثل هذه الأحداث أنها تنتج للاستهلاك الإعلامي ليس إلا، وأن الإصلاح الحقيقي يبدأ من اجتثاث الأصول الفكرية المكونة للبعد الطائفي والمجذرة له عبر الذهاب إلى هذه الاختلافات إلى ميدانها الحقيقي المدني والوطني والإنساني . وهذا يعني تنازلات ضخمة من جميع الأطراف العراقية، وكل المؤشرات تدل على أنها غير مؤهلة له حتى الآن لا سيما أن كثيراً من مسببات وجودها قائم على البعد الإقليمي أكثر من تمثيله للمصلحة العراقية، وربما كان التخلص من هاجس «الاحتلال» الذي يرتبط وجوده بالحد الأدنى من التوافق العراقي الباعث على الاستقرار وعودة الحياة المدنية الطبيعية للعراق .. هذا يعني حتمية التناول المدني لهذه القضايا، وهو ما يعيد مسألة علمنة الوسائل كطريق للخلاص من دون أن تؤثر على هوية العراق الإسلامية والعربية إذا افترضنا أن الهوية لا يمكن أن تتغير أو تضمحل لأنها تستمد حياتها من الوجود ذاته تعبيراً عن التمايز والاختلاف عن الآخر .

[email protected]