«قبرصة المحاكمة»

TT

بدأ اللبنانيون ينقسمون حول المحكمة التي ستنظر في اغتيال الرئيس الحريري: هل تكون القضاء اللبناني أم تكون محكمة دولية؟ المقربون من الرئيس اميل لحود يدافعون بكل قواهم عن محاكمة في لبنان والآخرون يصرّون على محكمة دولية بعيدا عن الضغوط وتخويف القضاة وتهديدهم وإغراق مكان المحكمة بالمظاهرات «العفوية» التي تهتف كل يوم ضد «الظلم» ومع «الحق».

والأرجح أن «الدوليين» قطعوا شوطا في اعداد محكمتهم. وقد تنشأ هذه المحكمة في احدى القواعد البريطانية في قبرص، لتأمين الحد الأقصى من الحماية للشهود او للماثلين او للقضاة.

الفريق الأول يخشى ان تتحول اي محاكمة دولية الى محاكمة للنظام، وإلى اثارة قضايا السلوك السياسي وإفساد القضاء والخروج الدائم عن القيم الدستورية وتجاهل شكاوى منظمة حقوق الإنسان. والفريق الثاني يريد إثارتها وتدويلها والحؤول دون أي حلم بعودة نظام أمني في البلد، يلغي السلطة القضائية، ويحوّلها إلى أداة مستقيلة الإرادة ومخدرة الضمير.

لم يعد الانشقاق حول المسألة سرا. ويمثله بكل وضوح رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء. وخلال يومين خاطب الرئيس اميل لحود لجنة التحقيق الدولية في أمر رئيس الحرس مصطفى حمدان وفي سير التحقيق نفسه. وتدخل الرئيس فؤاد السنيورة في بيان معاكس. وظهر وزير «الثقافة» السابق ناجي بستاني على التلفزيون ليناشد «الأسرة الدولية» مباشرة وبلا وسيط، العدول عن فكرة «المحكمة الدولية». وفعل ذلك بلهجة خطابية كالتي يستخدمها المحامون في المحاكم مع جميع التأثيرات الصوتية المطلوبة. أما وزير الثقافة الأسبق الدكتور غسان سلامة فقال من باريس إن من الأفضل للرئيس لحود ان يستقيل. ويصرّ الرئيس في بيانات متلاحقة على أنه باق حتى آخر لحظة من ولايته. أي عامان آخران. لكن معركة الرئاسة تبدو وكأنها فتحت مثلما فُتح باب المفاجآت الكبرى مع تقرير لجنة التحقيق الدولية. وهناك ستة او سبعة قرارات دولية مطروحة الآن بشأن لبنان. ومن عادة القرارات الدولية انها تتوالد. وكل ولادة لها في لبنان طابع وآلام المخاض. وكل ولادة مفاجأة.