كارثة جسر الأئمة .. برقاب من؟

TT

بالتأكيد لا تتحمل الحكومة العراقية كامل المسؤولية عن كارثة جسر الائمة ببغداد، لكنها تتحمل قدرا غير قليل منها، بالرغم من انزعاج رئيس هذه الحكومة من دعوة زميله وزير الصحة زميليه وزيري الداخلية والدفاع لتحمل المسؤولية، وبالرغم من سعي هذين الوزيرين لدفع المسؤولية عنهما وعن وزارتيهما والقائها على بعضهما البعض او على الجسر نفسه (وزير الداخلية قال ان منطقة الكاظمية ليست من محميات وزارته وانما هي «من حصة وزارة الدفاع»، ووزير الدفاع تحدث عن «قدم» الجسر و«سوء حالته»، مع ان الجسر في حد ذاته لم تكن له علاقة بما حدث سوى انه كان موقعا للكارثة).

مسؤولية الحكومة العراقية تتحدد في انها لم تتخذ الاحتياطات اللازمة لحفظ أمن الحشود البشرية من المشاركين في المناسبة الدينية المعلوم تاريخها للجميع. والحكومة مسؤولة لانها لم تعلن للشعب ان ليس في وسعها، في الظروف الامنية الراهنة، الوفاء بالمتطلبات الضروية لحفظ حياة مئات الآلاف من الزوار الذين لم يكن زحامهم غير متوقع (وزير الداخلية قال ـ بعد وقوع الكارثة بالطبع ـ ان «مدينة الكاظمية لا يمكنها ان تستوعب مليونا ونصف المليون زائر»!). والحكومة مسؤولة ايضا لانها ساهمت عبر اذاعتها وتلفزيونها (العراقية) في حث الناس على المشاركة في المناسبة منذ ما قبل يوم الكارثة، وفي يومها حينما كانت تنقل في بث حي ومباشر وقائع التدفق البشري نحو الكاظمية.

ولا شك في انه من هذا المنطلق جاءت دعوة وزير الصحة لزميليه في الدفاع والداخلية لتحمل مسؤوليتهما اسوة بما يجري في العالم المتحضر (الديمقراطي) الذي نسعى للانضمام اليه، ونستحق ان نكون جزءا منه، ويمكننا ان نكون كذلك اذا ما توفر لنا حكام متحضرون.. ديمقراطيون بالممارسة لا بالكلام... ولا شك، ايضا، في ان غضبة رئيس الحكومة على وزيره وراءها رغبة عارمة في دفع المسؤولية عن الحكومة برمتها، باعتبار ان وزيري الداخلية والدفاع من اعمدتها.

والى جانب الحكومة ثمة قدر كبير من المسؤولية يقع ايضا على المرجعيات الشيعية (دينية وسياسية)، فالواضح ان هذه المرجعيات لم تقدر تماما خطورة الاوضاع الامنية. ولو كانت كذلك لنصحت بإحياء ذكرى وفاة الامام موسى الكاظم ـ وغيرها من المناسبات المماثلة ـ بطريقة اخرى تتناسب واوضاع البلد.. في الحسينيات والجوامع وفي محلات السكن، فمثل هذا ما كان سيقلل من قدر الامام موسى الكاظم ولا من ذكرى استشهاده ومكانته الدينية وارثه النضالي.

وللمقارنة نشير الى ان القيادات الكردية العراقية منعت الاحتفالات الشعبية، بما فيها احتفالات عيد نوروز القومي، منذ الهجومين الانتحاريين في اربيل قبل عام، ما يعكس الاحساس العالي بالمسؤولية تجاه البشر.

من الملاحظ ان المرجعيات الشيعية، خصوصا السياسية، تسعى لاستغلال المناسبات الدينية لاستعراض عضلاتها تجاه بعضها البعض: منظمة بدر مقابل جيش المهدي، والمجلس الاعلى مقابل الدعوة، والدعوة مقابل الفضيلة، والجميع مقابل الصدريين. نعلم ان هناك دوافع سياسية لعروض العضلات هذه.. ونعلم ايضا ان هناك اغراضا واهدافا مالية وتجارية وراء التشجيع على الانخراط الواسع في احياء المناسبات الدينية، بيد ان هذا كله لا يجب ان يصل الى الحد الكارثي الذي شهدناه على جسر الائمة يوم الاربعاء.

اذا كان هذا الكلام لا يعجب احدا من المعنيين به في الحكومة العراقية والمرجعيات الشيعية.. واذا كان هؤلاء المعنيون لا يرون أي مسؤولية يمكن ان تطال حكومتهم ومرجعياتهم فانني اقترح عليهم ان يأمروا باستحضار ارواح القتلى من الضحايا واستدعاء الجرحى الراقدين في المستشفيات جميعا وتقديمهم الى المحاكمة بتهمة التسبب في الكارثة، فلم يتبق غيرهم من يمكن ان يتحمل المسؤولية!

[email protected]