هل للعرب أن يوفدوا لجنة للتحقيق في معاناة المسلمين بأمريكا؟

TT

في يوم وصول وفد الحريات الدينية الى مصر قادماً من الولايات المتحدة، اعتدى شابان امريكيان على اثنين من الشخصيات الاسلامية، بعد خروجهما من أحد مساجد مدينة سياركس بولاية نيفادا، فكسر ذراع أحدهما وأصيب الآخر اصابات بالغة أودته في غيبوبة، وهو الى الآن بين الحياة والموت. لم يكن الحادث فريداً في بابه، ففي شهر يونيو (حزيران) الماضي أطلق مجهولون النار على المركز الاسلامي بمدينة ممفيس بولاية تنسي حيث أصابوا أحد المصلين باصابات خطيرة. وفي شهر مايو (ايار) عام 1999 ألقت شرطة مدينة دينفر بولاية كلورادو الامريكية القبض على شخص ـ يشك في كونه ارهابيا ـ على مقربة من أحد المساجد في المدينة، حيث عثر بحوزته على أسلحة نارية ومتفجرات. وفي العام نفسه دمر حريق اجرامي مسجداً في مدينة مينانبلس بولاية منيسوتا. وشاءت المقادير أنه بينما الزيارة مستمرة لمصر ألقى مجهولون فضلات حيوان وبيضاً على باب أكبر المساجد بمقاطعة منيتوبا الكندية كما قاموا بطلاء باب المسجد باللون الأبيض في حادثة أثارت مشاعر المسلمين في كندا وامريكا، حيث طالب مكتب مجلس العلاقات الاسلامية الامريكية بكندا الشرطة الكندية بالتحقيق في الهجوم الذي وقع على المركز الاسلامي لمنيتوبا على انه «جريمة كراهية».

ويعد الهجوم هو الثاني من نوعه على المسجد (مركز منيتوبا الاسلامي) منذ شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي حيث ألقى بعض المتطرفين بيضاً على المسجد، وهو أيضاً ثاني حادثة يتعرض لها مسجد كندي منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حيث شب حريق (مشكوك في أسبابه) بمسجد مدينة سري بمقاطعة بريتش كولومبيا الكندية، وقد أتى الحريق على المركز الاسلامي المكون من طابقين.

هذه الحوادث وقعت في أعقاب عدة تصرفات أسهمت في تعبئة المشاعر ضد المسلمين. ففي الولايات المتحدة كان القس فالويل المعروف لوسائل الاعلام والجماهير الامريكية قد أدلى بتصريح لأحد مواقع الانترنيت الدينية، وهو بليفنت. كوم (Beliefnet.com)، قال فيه «أعتقد أن العقيدة الاسلامية تحض على الكراهية. أعتقد أن هناك أدلة واضحة على أن الدين الاسلامي أينما أصبح دين الأغلبية. وأنا أستطيع أن أسمي دستة بلدان، لا تسمح لأصحاب الديانات الأخرى للتعبير عن أنفسهم، أو بالدعوة الى دينهم، أو بالوجود حيث يوجد المسلمون».

كما ذكر القس في حديثه أنه يجب استثناء المسلمين الامريكيين من أية مساعدات حكومية تنوي حكومة جورج بوش الابن تقديمها وفقاً لبرنامج مساعدة الهيئات الخيرية الدينية الذي استحدثه بوش في ادارته والذي يسمح للهيئات الخيرية الدينية بالمنافسة مع المؤسسات الخيرية غير الدينية في الحصول على المساعدات المالية من الحكومة الفيدرالية، حيث لم يكن يحق للمؤسسات الخيرية الدينية الحصول على مساعدات فيدرالية من قبل. وفي شهر يناير (كانون الثاني) الماضي نشرت صحيفة «وينيبج فري برس» Winnipeg Free Press الكندية مقالاً عن الاسلام وصفته بأنه دين «مزيف»، وقد اعتذرت الصحيفة عن تلك المقالة بعد حملة شنها المسلمون عليها. وهو نفس ما حدث مع جريدة «كالجاري سن» الكندية قبل ذلك بشهرين.

هذه التصرفات أحدثت ردود أفعال متعددة داخل الأوساط الاسلامية، كان بينها بيانات لمجلس العلاقات الاسلامية الامريكية في واشنطن، ربطت بين الموقف في الشرق الأوسط، والقصف الامريكي للعراق، والدعاية السلبية التي تعرضت لها صورة المسلمين في الاعلام الامريكي والكندي عقب إقدام فكرة طالبان على هدم التماثيل البوذية، وبين تصاعد المشاعر المعادية للمسلمين في بعض الأوساط، الأمر الذي يترجم في النهاية الى هجمات على مراكز المسلمين ومساجدهم وأحياناً على أشخاصهم.

الجهات الناطقة باسم المسلمين تعاملت مع أمثال تلك الحوادث، وهي مجرد نماذج فقط وليست حصراً، بحسبانها أولاً حوادث فردية، لا تعكس بالضرورة سياسة الدولة، ثم باعتبارها ـ ثانياً ـ محصلة لظروف وتطورات سياسية واعلامية، بعضها حاصل في الشرق الأوسط والعالم الاسلامي.

بكلام آخر فان الأطراف الاسلامية حاولت أن تفهم ملابسات تلك الحوادث، ووضعتها في سياقها وأعطتها حجمها الطبيعي، ثم تعاملت مع الادارة الامريكية والجهات المحلية المعنية على هذا الأساس، وهي مدركة جيداً أن الثقافة السائدة، والخطاب الاعلامي الذي يبث يومياً. والدَّس المستمر الذي تمارسه العناصر الصهيونية والموالية لاسرائيل، ذلك كله أسهم في اثارة حساسية الامريكيين والكنديين تجاه المسلمين، حتى أصبح من السهل للغاية أن تنفجر تلك المشاعر في أي وقت على النحو الذي عرضنا لبعض شواهده وتجلياته.

الذي يتابع الأوضاع في مصر يجد أن الحوادث التي كان الأقباط طرفاً فيها أو التي تقع بين الحين والآخر (في أزمنة متباعدة) لا تكاد تختلف كثيراً عن تلك التي تشهدها الولايات المتحدة أو كندا. فهي أولاً وقطعاً ليست من سياسة الدولة، وهي في أسوأ حالاتها تصدر عن فئات من المتعصبين على الجانبين، الذين جرت تعبئتهم على نحو مغلوط، فنشأوا على رفض الآخر وكراهيته.

غير أن هناك عدة فوارق مهمة بين ما يحدث في مصر وما يحدث في الولايات المتحدة. أولها أن تلك الحساسية، وذلك العداء للآخر، ظاهرة مستجدة على الحياة السياسية في مصر، بينما هي ظاهرة متأصلة في المجتمع الامريكي، بدأت بالعداء للسود وانضاف اليهم المسلمون في العقدين الأخيرين. الفرق الثاني يتمثل في أن الخطاب الاعلامي في مصر مختلف عنه في الولايات المتحدة، اذ هو في مصر ربما لأنه خاضع لتوجيه الدولة في الأغلب، أكثر اعتدالاً واتزاناً في هذه الناحية، بله كثيراً ما يكون داعياً الى الوئام والتسامح، بصورة مبالغ فيها أحياناً، بينما انحياز الاعلام الامريكي مقطوع به وشواهده تفوق الحصر.

الفرق الثالث يتمثل في أن السلطة في مصر في صراع مع أولئك المتعصبين الذين هم مخاصمون أيضاً لغيرهم من الناشطين الاسلاميين بينما المعادون للمسلمين في الولايات المتحدة ليست لهم مشكلة في الأغلب مع الادارة الامريكية.

اننا في مصر نعترف بوجود مظاهر لثقافة التعصب ونفسرها في اطار الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد، فضلاً عن أصحاب المشروع الوطني من تقلبات وهزات مما أحدث فراغاً في الوجدان العام، تفصلت من جرائه مساحات المشترك بين فئات الشعب، فانكفأ بعضها على ذواتها، وكان ما كان. بسبب من ذلك فان المثقفين المصريين باختلاف توجهاتهم أجمعوا على أن حل مختلف المشكلات التي يعاني منها المجتمع، والتعصب أحد بنودها، لا يتم الا من خلال عمل وطني مشترك، يركز على استعادة الديمقراطية أولاً، الأمر الذي يفتح الباب تلقائياً لحل العديد من الاشكالات الأخرى.

الطرف الامريكي لم يحاول أن يفهم أو يفسر على نحو موضوعي ملابسات ما يجري في مصر، على عكس المسلمين في الولايات المتحدة الذين بحثوا عن أسباب موضوعية للحملة التي تستهدفهم بين الحين والآخر، مع فارق جوهري للغاية، هو أن الامريكيين لم يكن لهم الحق أصلاً في أن يتحروا ما يجري في مصر، لا تحقيقاً ولا تفتيشاً، فلا هم طرف فيه، ولا أحد نصبهم حراساً على السلم الاجتماعي والحريات المختلفة في الكرة الأرضية، بل هم في هذه المسألة بالذات طرف مجرح وغير محايد، حيث لا يستطيع أحد أن يرفع صوته ناقداً أو محتجاً على الظلم الواقع على العرب في اسرائيل، ولم نسمع لهم صوتاً لاضطهاد المسلمين في البوسنة والشيشان وكشمير أو تركستان الشرقية.

يتعذر علينا أن نفترض حسن النية في ذلك الوفد الامريكي. اذ فضلاً عن تحيزه وصمته المريب ازاء ما يجري في اسرائيل، فلا بد أن يلفت النظر أن الوفد يختار لموعد زيارته لمصر توقيتاً يسبق زيارة الرئيس حسني مبارك السنوية للولايات المتحدة، الأمر الذي يوحي بأن الزيارة أصبحت من طقوس الضغط على مصر، حتى تغير من موقفها بالنسبة لاسرائيل. لا بد أن يلفت نظرنا أىضاً ذلك التأييد الواسع الذي تلقاه اللجنة من جانب الأوساط الصهيونية، وبعض العناصر القبطية المتطرفة المهاجرة من مصر، المتواطئة مع الدوائر الصهيونية، ومفهوم دوافع ومرامي تلك الأوساط الصهيونية، التي نجحت في استقطاب متطرفي القبط، الذين أصبحوا يتعيشون على الترويج للفتنة الطائفية في البلاد.

لقد استقبل الوفد الامريكي بدرجة عالية من الغضب في مصر أدت الى مقاطعته من جانب كل المنظمات والفعاليات الأهلية. وتساءل أحد نواب مجلس الشعب عما اذا كان من حق البرلمان المصري تشكيل لجنة للتحقيق في الوقائع التي تدل على اضطهاد الأقليات في الولايات المتحدة، وقال آخر انه ما كان ينبغي أن يسمح لهؤلاء الامريكيين بدخول مصر لهذا الغرض أصلا. واعتبر أكثر من كاتب أن التصريح لهم بالمجيء الى البلاد للتحقيق أو التفتيش بمثابة اهانة ومساس بسيادة البلاد ما كان ينبغي أن تقبل. ومنهم من قال انه حين حدثت كارثة الطائرة المصرية التي أسقطت في المياه الاقليمية الامريكية وقتل فيها 214 شخصاً، رفضت السلطات الامريكية استقبال لجنة مصرية للتحقيق في الحادث، وسمحت فقط لمندوبين مصريين بحضور التحقيق الذي يقومون باجرائه.

ان المشكلة لم تعد في ما تمارسه واشنطن من استكبار و«بلطجة»، وانما هي أيضاً في قبول الآخرين لهذا السلوك وغض الطرف عن الفجاجة والمهانة فيه.