شارون نجح في واشنطن فماذا عن العرب؟

TT

غادر رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون واشنطن وهو يشعر ببعض الرضا والشجاعة. فقد كانت الاهداف التي حددها للرحلة متواضعة. فقد اراد اولا واخيرا ان يُقبل كرجل تم تأهيله. فهو الزعيم الاسرائيلي الوحيد الذي تحب اميركا ان تكرهه. فقد كان مكروها لدوره في غزو لبنان وما اعقبها من مذبحة صبرا وشاتيلا. وتعرضت سياسة المستوطنات الخاصة به الى توبيخ من الرؤساء الاميركيين من كارتر الى بوش. وقد اشار وزير الخارجية الاميركي الاسبق جيمس بيكر الى شارون بأنه «عقبة في طريق السلام». وليس سرا ان كلينتون وشارون لم يتمتعا بعلاقة طيبة.

وفي هذا المجال نجح شارون. فقد تلقى استقبالا حماسيا من «AIPAC» (اكبر لوبي موال لاسرائيل) كما ان اجتماعاته مع المسؤولين الاميركيين من الرئيس بوش فنازلا كانت، حسب كل المعلومات المتوفرة، جيدة.

كما سعى شارون الى شراء الوقت ومقاومة الضغوط لمشاركة الفلسطينيين في محادثات سلام. ونجح في هذا المجال ايضا. ويرجع السبب جزئيا الى ان الادارة الاميركية الحالية لم تحدد بعد سياستها بخصوص الشرق الاوسط اكثر من قولها انها ترفض المدخل والاطار اللذين طورهما الرئيس كلينتون، ولان لا أحد في واشنطن يعرف كيف يعمل على تحقيق السلام في وسط العنف الدائر حاليا، وقد تبنوا الموقف العام ان الولايات المتحدة «ستسهل ولن تفرض» البحث عن السلام. وقد ادى ذلك الى العبارة المكررة «يجب اولا خفض العنف»، و«على الاطراف المعنية نفسها، اعادة التفاوض».

كل ذلك فسره شارون على انه اقرار بموقفه.

كما سعى رئيس الوزراء الاسرائيلي ايضا الى الفصل بين العلاقات الاميركية الاسرائيلية الاستراتيجية وعملية السلام في الشرق الاوسط. وهنا ايضا، حقق شارون نجاحا محدودا. ففي البنتاجون، بصفة خاصة، ركز شارون على الحاجة الى التعاون الاسرائيلي الاميركي لتطوير شبكة صواريخ دفاعية واحتواء الارهاب، وهو الامر الذي لقي ترحيبا.

اما في وزارة الخارجية الاميركية ذات التفكير العالمي، فإن صناع القرار السياسي عبروا عن قلقهم من ان استمرار العنف الاسرائيلي الفلسطيني والموقف المتدهور الذي يواجهه الفلسطينيون تحت الاحتلال يضر بالاهداف الاميركية الاقليمية. وقد تلقى شارون، في وزارة الخارجية والبيت الابيض تحذيرا: لا تصرفات منفردة، لا تصرفات استفزارية، خفف الحصار العسكري والاقتصادي، ولا تنتظر نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس.

واخيرا سعى شارون الى تأكيد وقبول وجهة نظره العالمية ان الولايات المتحدة واسرائيل شريكان في صراع ضد الاعداء المشتركين الذين يسعون الى خلق عدم الاستقرار.

وفي هذا المجال، حذر رئيس الوزراء الاسرائيلي، مما وصفه «محور العراق ـ ايران ـ سورية» الذي زعم انه «يمكن ان يستخدم الارهاب» وانه «يملك القدرة على تطوير اسلحة دمار شامل». كما سعى ايضا الى وضع الرئيس عرفات في نفس المعسكر، كمصدر لعدم الاستقرار والارهاب. ولكنه لم يتوقف عند ذلك، فقد شجع ايضا اصدقاءه في واشنطن على اتخاذ موقف ضد مصر كمصدر خطر اضافي لاسرائيل والسلام.

وكان شارون، في هذا المجال، يردد نفس مقولات سلفه بنيامين نتنياهو، الذي ردد، بدوره، على الصقور في واشنطن، الورقة التي اعدوها له.

ويجب القول انه عندما قام نتنياهو بأول زيارة له لواشنطن في عام 1996، استخدم افكارا من ورقة عمل اعدها له مجموعة من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة. وكانت رسالة نتنياهو الى اصدقائه في الكونغرس الاميركي الذي يقوده اليمين تتحدث عن تعاون استراتيجي اميركي اسرائيلي جديد، مؤسس على انهاء عملية السلام، والغاء شرعية السلطة الفلسطينية، وعزل الدول العربية التي لا تقبل هذه الرؤية. كانت رؤية لحرب باردة جديدة في الشرق الاوسط: «اميركا ضدهم». تلك كانت افكار نتنياهو التي رددها شارون خلال زيارته.

وقد تلقت تلك الافكار ترحيبا كبيرا بين الصقور في الادارة والكونغرس. ويرجع ذلك جزئيا، الى انهم هم الذين اعدوها. وفي الواقع فإن احد واضعي هذه الدراسة التي صدرت في عام 1996 تم ترشيحه وكيلا لوزارة الدفاع لشؤون السياسة.

وكان رد فعل الكونغرس، على الاقل، على جزء من هذه الرسالة، فوريا. فقد بدأت مجموعة من كبار اعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، في توزيع رسالة الى الرئيس بوش يحثونه على اعادة تقييم العلاقات الاميركية مع الفلسطينيين بإعلان انهم جماعة ارهابية واغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. كما ترددت بعض الاشارات الى وجود مبادرات معادية لمصر ايضا.

وفي كل الاحتمالات، لن تخضع الادارة لهذه الجهود. فصانع القرار الاميركي يريد حماية العلاقات الاميركية المصرية والمحافظة على العلاقات مع الفلسطينيين. ومن اللافت للانتباه انه في الوقت الذي تفاخر فيه شارون في الصحافة الاسرائيلية بأن بوش وافق على مطلبه بعدم لقاء عرفات، فإن البيت الابيض اسرع بنفي ذلك. فقد ذكر متحدث باسم البيت الابيض، ان الفكرة لم تبحث على الاطلاق وان الولايات المتحدة تشارك في احاديث مع الفلسطينيين (مشيرا الى لقاء كولين باول مع الرئيس عرفات) وان بوش، في الواقع، سيرتب لقاءات عندما يكون مستعدا.

كل ذلك يعني ان زيارة شارون لم تكن ناجحة تماما. فالتوقعات المنخفضة تحققت. فقد استقبل استقبالا جيدا ولم تقع مشاكل دبلوماسية. ومهد انصاره الطريق لجهوده في شجب العنف الفلسطيني، وذلك كان هدفا تم تحقيقه بسهوله. ولم يرد دفعه نحو تنازلات من اجل السلام، وهنا ايضا نجح ايضا.

ولكن في ما يتعلق بأهدافه العامة بتطوير تفاهم مشترك بشأن الشرق الاوسط، كان نجاحه اكثر محدودية. من المؤكد انه كان لديه حلفاء، البعض في الادارة والبعض في الكونغرس، ومن المؤكد انهم سيسعون الى جدل حاد خلال الشهور القليلة المقبلة. ولكن هناك مجموعات اخرى في الادارة ممن يمتلكون رؤية واسعة، وهي المجموعة التي سمع منها شارون تحذيرات.

لكن في نهاية المطاف، فإن شارون الذي زار واشنطن لم يكن شخصية جديدة. فقد كان نفس الصقر العجوز. واذا ما كان الطريق الذي اقترحه سيتبع، فإنه سيؤدي الى عزلة للولايات المتحدة، وهذه العزلة لن تؤدي الى استقرار، ولكن العكس. كما انها ستضعف مصداقية الولايات المتحدة وتهدد مصالح اميركية هامة. وهذا الامر يحظى بفهم العقول المتفتحة في الادارة. اما الامر الذي يبحثون عنه فهو طريقة للخروج من مستنقع الصراع الحالي والعودة الى البحث عن السلام.

وتنتظر واشنطن الان نتائج مؤتمر القمة العربي وزيارة كل من الرئيس حسني مبارك والملك عبد الله الثاني. وستوفر رسالتهما توازنا حرجا. فستكون مهمتهما اشراك الادارة في مناقشات حول مصالح الولايات المتحدة الكبرى في الشرق الاوسط والحاجة الى سلم شامل، واهمية توازن الدور الاميركي في السعي من اجل الهدفين. لقد اتى شارون ومعه رسالة واحدة. ويبقى على القادة العرب احضار رسالة السلام ووسيلة تحقيقها.

*رئيس المعهد العربي الاميركي في واشنطن