فيلم إرهابي طويل

TT

«كان لدي إحساس بأنني إذا ضحكت ساعة فإنني سأبكي طيلة الأسبوع»، هذا ما قالته سناء الغريسي أخت إيمان، التوأمان المغربيتان الصغيرتان، اللتان تصدرت صورتاهما الصحف، بتهم كبيرة كالإرهاب وتهديد السفارة الأميركية.

إيمان هددت السفارة الأميركية مرتين، وفي إحدى المرتين قال لها موظف السفارة: هل تهدديننا؟! فقالت له هذه (المفعوصة) بكل ثقة: رغم كل هذه الحراسة التي تطوقون بها السفارة فإنها ستتهدم بإذن الله. ولو ابتعدت الكاميرا عن لغة التهديد الجبارة، وتهمة الإرهاب الغدارة، لو تحركت الكاميرا من (زووم إن) إلى (زووم آوت)، كما في الأفلام، فسنجد أن هذه الصورة التراجيدية، ستتحول لصورة كوميدية ساخرة لا تثير غير الضحك، فإيمان وسناء، طفلتان في السادسة عشرة من عمرهما، فقيرتان مشردتان في الأزقة والدروب لا تملكان من هذه الدنيا، على رأي النحويين، شروى نقير، تلطمهما الدنيا بين ظلم الأقارب والناس، مخدرتان بألمهما الشخصي، وكل ألم تريانه في التلفزيون، يزيدهما حنقا وشعورا بالظلم، تشعران أن كل ظالم هو عدوهما وعليهما التخلص منه. تقول إيمان إن حالتها كانت أصعب من حالة سناء لأنها عاشت ظروف الاغتصاب والمهانة بعملها خادمة في بيوت العائلات، أما إيمان فعانت ظلم خالتها، والفقر والتشرد، فحتى أمها طردتها من البيت. هاتان الطفلتان المملوءتان بالغضب والشعور باللاعدالة، فكرتا في الخروج من كل هذه المحن فوجدتا الحل الأكيد للعذاب العنيد: هو تحرير فلسطين.... وقلب السفارة على رؤوس الأعداء وتفجير الأسواق، وتكفير من لم يحكم بتشريع الله، أما كيف.. فالله يعلمه!

لم يكن ممكنا أن تفكر هاتان الصغيرتان بهذه الطريقة، لولا أن جاءهما العراب المغربي (لبصير) ببصيرته المنحرفة. التقط إيمان من الشارع مشردة باكية مكسورة القلب والجناح، فقادها وأختها، لتعملا مرة أخرى خادمتين، لكن لصالح القتل وتحويلهما من ضحايا إلى مشروع مجرمتين.

هذه الصورة الأخيرة (الانتقال من دور الضحية الجاهلة إلى مجرم جاهل أيضا) هي الصورة (النيجاتيف) الاجتماعية والنفسية، لكثير من صور الإرهاب والجريمة المتعددة الأوجه، فالجهل طباخ محترف للعنف، إذا ما وجد مواد أولية يعد بها وجبة من القتل والدمار. ففي التصريح الأمني الأخير لوزارة الداخلية السعودية، إشارة إلى أن كثيرا ممن تم القبض عليهم بتهم التعاون مع منظمات الإرهاب في السعودية، هم من الصغار في المراحل الثانوية، أما لماذا يقع هؤلاء في النداءات العسلية لتحرير فلسطين بعيدا عن حل مشاكلهم الأرضية، فهذا سؤال كبير، كبير، كبير، كما في فيلم إرهابي طويل..!

[email protected]