شتان

TT

إنني كثيراً ما اعترضت على هذه المقارنة بين صدام حسين وهتلر. أين هذا الرجل الذي تخلى عن رفاقه وأولاده وختل في بالوعة خوفاً على حياته، من ذلك العنيد الذي شرب السم زعافاً حرصاً على كرامته من أن يقع بيد اعدائه؟

قبل بضعة أيام، بيعت في انجلترا بالمزاد مجموعة كاريكاتير تسخر من هتلر. هناك طبعاً ألوف، إن لم أقل ملايين التصاوير الكاريكاتيرية عن هتلر. بيد ان الجديد في هذه المجموعة هو أنها رسمها رسام كاريكاتير ألماني ونشرها في عهد هتلر، وأكثر من ذلك، انه اصدرها بعد عرضها على الفوهرر الذي استأنس بها ووافق على نشرها. تصوروا لو ان عراقياً رسم رسوماً كاريكاتيرية تسخر من صدام حسين وأصدرها في عهده وداخل بلاده! ولكن معذرة يا سيدي القارئ. لماذا أخص صدام حسين بذلك وهناك غيره؟

معظم من كتبوا عن السخرية والفكاهة والكاريكاتير اعتقدوا بأنها السلاح الفعال ضد الحكم الظالم. هكذا كتب جورج ارويل عندما قال: «كل نكتة صغيرة هي ثورة. أي شيء يدمر الأبهة ويطيح بالعظماء من كراسيهم، يضحكنا، ولا سيما عندما تكون طيحتهم داوية». إنني أتفق مع جورج ارويل في الشطر الثاني من مقولته، ولكنني اختلف معه في الشطر الأول. النكتة ليست ثورة ولا هي بالسلاح السري الهدام، كما وصفها كامل الشناوي. بل أذهب لعكس ذلك فأقول إنها خير منفس سليم وسلمي لغضب الجمهور. فعندما تقوم بشيء يزعج زوجتك ويثير غضبها، ما عليك غير أن تدغدغها وتثير ضحكها بشيء أو آخر. حالما تضحك سيزول عنها الغضب. كذا الحال مع الجمهور. ويظهر أن هتلر كان يعرف ذلك. فالمجموعة الكاريكاتيرية التي سخرت منه، صدرت في عام 1933. لم تؤد الى إسقاطه أو النيل من هيبته بين شعبه. لم يثر الألمان عليه، الكبت وليس النكت هو الذي يؤدي الى الثورة. وهذه خير نصيحة للخائفين على مناصبهم. دعوا الناس يضحكون. فبالضحك يزول الغضب.

الرسام والكاتب الساخر لا يأتي بشيء جديد. انه فقط يعبر عما يعرفه الناس مسبقاً، فعندما يسخر من السلطة في عجزها عن توفير مساكن للجمهور، يعبر عن واقع معروف لدى الناس. ولكنه يعبر عنه بشكل ظريف ومؤنس فلا يثير الغضب في نفوسهم. يصبح الموضوع مجرد نكتة. فعندما وصف فولتير الامبراطورية الرومانية فقال إنها ليست امبراطورية ولا رومانية ولا مقدسة، عبر عن حقيقة ظاهرة للعيان. وكذا فعل بورقيبة بسؤاله عن الجمهورية العربية المتحدة، فقال متحدة مع مين؟ وهو ما سأقوله عن العراق الفدرالي إذا أعطوا الجنوب أيضا استقلاله الفدرالي.

تحمل النكتة يذهب بالغضب. وأكثر من ذلك، يوحي بالقوة والثقة بالنفس. صدام حسين لم يتحمل النكتة مثل هتلر لأن هتلر كان واثقاً بنفسه وبقوته وتعلق شعبه به. إذا تميز الانغلوسكسون بروح النكتة فذلك بسبب ثقتهم بقوتهم. وإذا فقدنا نحن فكاهة أجدادنا فذاك لأننا فقدنا قوتهم وعزتهم وأصبحنا أذلاء.