المكان لا الحضور

TT

في الظاهر، تبدو المفاجأة في أن وزير خارجية باكستان قرر الاجتماع بوزير خارجية إسرائيل. في الجوهر، المفاجأة هي أن تركيا هي التي ساهمت في تدبير اللقاء وقبلت (أو سعت) أن تكون مقر اللقاء. ومنذ أسابيع قليلة فقط كان وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم يقول إن العلاقات السرية القائمة بين إسرائيل وبعض البلدان يجب أن تخرج إلى العلن. لكن أحدا لم تذهب به مخيلته إلى إسلام آباد، التي كان من الصعب الاعتقاد بأنها سوف تسبق الكثيرين أو تلحق بالهند في إقامة الصلة مع تل أبيب.

حتى وصول شمعون بيريز إلى الهند ذات يوم كان أمرا غير متوقع. لكن في اللحظة التي أعلنت فيها اتفاقات اوسلو، اعتبرت نيودلهي أنها في حل من العداء مع إسرائيل ما دام ياسر عرفات سوف يلقي التحية على جثمان اسحق رابين ذات يوم. المحادثات من اجل لقاء اسطنبول لم تبدأ أمس أو الذي قبله. لكن بمجرد انسحاب إسرائيل من غزة أصبح في إمكان سيلفان شالوم أن يحقق رغبته في الإعلان عن الاتصالات أو الصلات الخجولة والسرية. لكن الأهمية هنا ليست في أن الملتقى هو دولة القنبلة النووية الإسلامية وصانعة الصواريخ القادرة على حمل رأس نووية مسافة 500 كيلومتر، بل هو الدولة التي يقوم فيها حكم إسلامي منذ بضع سنوات. على أن هذا الحكم الإسلامي لم يكتف بطرح نفسه كشريك محتمل لأوروبا الموحدة، بل ها هو يطرح نفسه أمام أميركا والغرب، على انه الوسيط الأهم بين إسرائيل والعالم الإسلامي. وإذا كانت باكستان قد سلكت هذا الطريق فماذا عن أفغانستان أو الدول الأخرى في آسيا؟

ثم ماذا حدث لصورة الحكم الإسلامي التركي الذي يخفف من الاندفاع نحو إسرائيل ومن المناورات العسكرية المشتركة معها ومن زيارات الرؤساء إليها؟ وماذا عن الحكم الذي يرفض الضغط الاميركي حيال العلاقات مع سورية؟ ما حدث في اسطنبول يوم الخميس الماضي هو أمر خطر. وأصل الكلمة في اللغة، شديد الأهمية.