شاطئ السيدات.. وشاطئ العراة..!

TT

لم يلفت انتباهي أو يفاجئني تخصيص شاطئ للسيدات على كورنيش الاسكندرية لا يدخله إلا الجنس الناعم، والذي لاحظته الزميلة فوزية سلامة حين زارت شاطئ السيدات هذا الصيف، وقدمت لنا عنه وصفا موضوعيا وجميلا، بل المفاجئ هو الاصرار الذي تبديه شرائح من المتحررين العرب، ساسة وقادة ومفكرين وإعلاميين للسباحة ضد التيار المحافظ في عالمنا العربي، الذي يشكل الأغلبية الساحقة لمجتمعاتنا والبنية التحتية لها (وللمعلومية فالإسلاميون بشتى أطيافهم وألوانهم لا يمثلون من وجهة نظري في هذا التيار المحافظ إلا كما تمثل الشعرة البيضاء في الجلد الأسود).

أما ونحن ما زلنا في حمأة الصيف وحرارة سمومه، فلا أريد أن أنقلكم من شاطئ الإسكندرية وهوائه اللطيف، ودعونا وإياكم نستمتع مع نسائمه العليلة بتحليل ظاهرة التيار المحافظ (شاطئ الإسكندرية نموذجا)، فلأحدكم أن يلقي بنظرة متلفزة أو فوتغرافية على شواطئ الإسكندرية في الخمسينات والستينات حيث «المايوه» يعتبر منظرا عاديا ومألوفا، وبين شواطئ الإسكندرية في التسعينات وما بعد التسعينات حيث لا تكاد ترى لباسا بحريا متحررا، بل تشاهد في الغالب عائلات محتشمة تستمتع بالبحر وبالسباحة فيه بالحجاب وأحيانا بالعباءة بل وبالنقاب!! ولك أن تنتقل من الشاطئ الإسكندراني المائج إلى الكورنيش الصاخب حيث يذرعه ألوف الناس ذهابا وإيابا، ستجد أيضا أن الغالبية الساحقة من السيدات من المحجبات.

إذا كان هذا حال المجتمع المصري من المحافظة، فلا عجب أن ترى شاطئا خاصا بالسيدات في الإسكندرية، ولا غرابة أن يكون هذا الازدحام الشديد عليه كما وصفته الزميلة فوزية سلامة، بل ولا استبعد أن يكون الدافع من وراء تخصيص هذا الشاطئ لهن مادي، وإن كان الأمر كذلك فهي نظرة اقتصادية ذكية، إذ ان صاحب الفكرة استطاع أن يجس نبض الشارع المصري ويتحسس حاجاته ورغباته وتوجهاته فلباها، وهذا ما فشل فيه تحقيقه بعض المتحررين «المتطرفين» الذين يريدون فرض توجهاتهم ضد التيار السائد والعام في عالمنا العربي.

خذ على سبيل المثال رفض إحدى القنوات المصرية طلبات سيدات محجبات تقدمن للعمل كمذيعات في التلفزيون، مع أن الذي رفضهن يدرك جيدا أن الغالبية الساحقة للسيدات المصريات محجبات، فأين روح الديموقراطية وأجواء الحريات وتلمس رغبات الأغلبية في هذه النظرة الأحادية الإقصائية ؟ هذا ناهيك من النموذج المسخ المشوه لديكتاتورية التحرر والمتمثل في دولة عربية أفريقية فرضت ديكتاتورية التحرر بقوة النظام، فحاربت المحجبات غير مكترثة بالتيار المحافظ السائد في مجتمعها، وحرمت على النسوة المحجبات الوظائف والتعليم الجامعي، بل وأطلقت على الحجاب وهو شأن ديني صرف وصف «اللباس الطائفي»، وغاب عن هؤلاء الليبراليين الأغبياء أن الدولة وإن نجحت في نزع الحجاب من الرأس، لكن من أين لها أن تنزع فكرته والإيمان به من الرأس؟ وسيظل النموذجان السوفيتي الشيوعي والإيراني الشاهنشاهي مثالين صارخين على أن فرض الإيدولوجيات بالقوة مآله الفشل الذريع، بل إنه ينتج ثقافة متطرفة في الاتجاه المعاكس، وهذا ما بدأنا نلاحظه مؤخرا في عالمنا العربي، فهناك دول عربية سلكت اتجاها إقصائيا أحاديا في صحفها فرحبت بلون معين وحاربت الألوان الأخرى، فكانت النتيجة أن وجدت هذه «الألوان الأخرى» المستهدفة بالإقصاء متنفسها في منتديات الإنترنت، ولكن بلغة حادة وعبارة متوترة في كثير من الأحيان وهذا أمر طبيعي، ولو أن هذه الصحف استوعبتهم وتحملت رؤاهم وأفكارهم وفسحت صدرها وصفحاتها لهم لكتب أغلب هؤلاء «الإنترنتيين»، وعبروا عن افكارهم بلغة أكثر اعتدالا وأقل توترا وحدة.

في أمريكا وتحت شعر الحريات المتاحة توجد شواطئ سوداء خاصة للعراة من الجنسين، فأرجو باسم الحرية التي يتشدق بها عربنا أن يتركوا الشواطئ الخاصة بالنساء وشأنها، وأن يهبوا شيئا من الحريات لشعوبهم المحافظة.

[email protected]

ِِ