قوة العقل.. لا قوة العضلات

TT

ذهب كلينتون وجاء بوش، وشتان ما بين الرجلين.. فالاول «نمر كاسر بجلد ناعم وتسريحة شعر جميلة».. والثاني «هادئ ووديع حتى الضعف» مما اطمع فيه الحزب الديمقراطي عندما سلط عليه آل جور في تلك الحادثة غير المسبوقة في تاريخ اميركا. مما جعل ذلك المسلسل عن الانتخابات «فرجة العالم».

ويرى بعض المراقبين السياسيين ان تلك الحادثة سوف تتلوها مؤامرات كثيرة قد تسحب كرسي الرئاسة من بوش قبل انتهاء مدته الرئاسية، ما لم يتحرك في مواجهة هذا الخطر، وقد اشار احد الصحافيين الى ان الرئيس بوش انسان مثقف وحضاري وليس ضعيفا، لكن بعض اعضاء الحزب الديمقراطي، الذين هواهم مع اسرائيل والصهيونية، ارادوا ان يحفروا اخدودا عميقا امام خطوات بوش في مسيرته نحو عقد مؤتمر للسلام مرة أخرى في الشرق الاوسط، ولمنع أي تقارب او تفاهم مع العرب، فكان ما فعله مجرد تحذير للرجل وتحد لإرادته، ولاظهاره مظهر الضعيف، وهم يذكرونه بمصير والده..! إبان منافسته لكلينتون في محاولته الفوز بولاية ثانية.

على أي حال، ان هناك كثيرين في العالم المتحضر، وهذا من حظ بوش الابن، يؤمنون بأن الرجل القوي ليس هو الذي «يفرم» المعارضة او يتجبر او يتعنت، لكن الرجل القوي هو الذي يطرح فكرة حضارية انسانية تؤمن بها الدول والشعوب، ويفضح غوغائية الذين يمارسون الوحشية، ويقفون في طريق السلام العالمي!. فإذا نجح «الرئيس الاميركي الجديد» في استقطاب الرأي العام العالمي المحب للسلام، وتم انعقاد مؤتمر للسلام في الشرق الاوسط، خاصة بعد توقفه وتعثره، فإن بوش رد الصاع صاعين وعرفهم ان القوة قوة العقل لا قوة العضلات»!.

ولعل في تصريح وزير خارجيته الجديد ـ كولن باول ـ بعد الفوز مباشرة، الذي اعلن فيه ان اميركا مستمرة بالمفاوضات العربية الاسرائيلية، ما يدعو الى وجوب تخلي اسرائيل عن وهمها الكبير «اسرائيل الكبرى»، والسعي الى مبادلة الارض بالسلام، والاعتراف بحقوق الفلسطينيين، والكف عن بناء المستعمرات والتوقف عن هذا الاسلوب القديم في تثبيت الاحتلال.

ان على اسرائيل ان تساهم في هذه المتغيرات التي يشهدها العالم لصالح السلام العالمي بشكل كامل، وبرؤية واضحة تجاه حل الصراع العربي الاسرائيلي، وذلك بالتسريع بالخروج من هذا المأزق الذي خلقته اسرائيل لايقاف عجلة السلام، وهذا الاسلوب اللااخلاقي من العدو الاسرائيلي قد عرفه وكشفه العالم والرأي العام الاميركي، وهذا اشد ما كانت تخشاه اسرائيل، خاصة في عهد مجرمها ارييل شارون، وقد حدث، واعني به بروز هذا الرأي الاميركي الصريح، الذي تقوده الادارة الاميركية الجديدة رغم أنف (اللوبي) الصهيوني مما يبشر «بتنمر» هذا الرئيس الاميركي الوديع وانطلاقه لمساندة الحق ـ وسنرى ما سيكون ـ مع الاخذ بعين الاعتبار ذلك التصريح الاخير لوزير الخارجية الاميركي، الذي تحدث عن ان القدس عاصمة لاسرائيل، ومع احتجاج العرب جميعا على مثل هكذا توجه لهذه الادارة الاميركية الجديدة.

إلا اننا نعتقد انه اطُلق للاستهلاك المحلي في اميركا، ومغازلة عابرة لمجلس الشيوخ الاميركي، الذي يستعد لمواجهات مع ادارة بوش الابن لتصفية حسابات بينه وبين عدد من العناصر اليهودية وغير اليهودية داخل اروقة تلك القلعة البرلمانية العتيدة!.