الدومينو يحترق

TT

إن عمق المأساة التي خلفتها كارثة جسر الأئمة وأخبار القتلى والجرحى والضحايا وأعمال العنف المتواصلة، كلها علامات دامغة تشير إلى أن العراق اقرب ما يكون إلى كبش الفداء أكثر منه نموذجا للديمقراطية والسلام

للأمن. وهي إشارة، وإن كانت لا تروق للكثيرين، فإنها بحكم الوقائع اليومية وحجم الدم الذي يسيل كيفما اتفق، تصبح في أسوأ الحالات، حقيقة يؤكدها ظاهر الأحداث ومشاهد جثث العراقيين. ولكن كبش فداء لأي طرف من الأطراف البعيدة والقريبة والمعلومة والسرية؟ ولماذا غلبت نظرية كبش الفداء نظرية الدومينو في المشهد العراقي؟

إن تشابك الوضع في العراق وتفاقم درجة تعقده، من السخف نسبتهما إلى طرف واحد والاكتفاء بتحليل التشخيص باعتبارات دينية وسياسية، ليست كفيلة بوضع قراءة صادقة لحقيقة حجم اللعبة التي تدار في العراق، والتي تتجاذب خيوطها أطراف كثيرة ومتنوعة ومتنافرة في نفس الوقت. لذلك فإن حصول إجماع حول بديهيات الشأن العراقي يعتبر أرضية مشجعة لتجاوز مرحلة المستنقع الصعب، ولتحديد أيضا خطة المساءلة العامة لا المتجزئة منها.

ولا نعتقد أن تحميل الإرهاب كل المسؤولية، مسألة مقنعة بشكل تام. ذلك انه صحيح أن الإرهاب ما يخلفه يوميا من ضحايا ومن إجهاض مستمر لأي بادرة من بوادر الأمن والاستقرار، هو تبرير يستند إلى حجة صلبة وقوية، ولكن في نفس الوقت هناك أطراف أخرى لا تقل خطورة عن الإرهابيين تشترك في المسؤولية، وكلها تتوفر فيها مقومات الاتهام والإدانة.

ومن هذه الأطراف:

* الولايات المتحدة الأمريكية التي تماطل في مغادرة العراق، وتتجاهل حقيقة أن احتلالها للعراق قد استنفد مبرراته المعلنة، وأصبح مصدر استفزاز والفتيل الأساسي لتأجيج ظاهرة الإرهاب.

* أصابع خفية تتحرك انطلاقا من استثمار رخيص للنسيج الديني والعرقي والثقافي للمجتمع العراقي. لذلك فإن بورصة تراشق الاتهامات بين الحساسيات السياسية والدينية نشيطة جدا منذ غزو العراق وإلى حد هذه الساعة. اتهامات ضد البعثيين وأخرى بين أهل السنة والشيعة وصلت إلى حد تكفير الشيعة. إلى جانب تفشي ظاهرة التخوين التي اتخذت طابعا عرقيا من خلال استهداف الأكراد.

* الحكومة العراقية الحالية والمحاصرة بمخطوطات لإفشالها سواء من داخل الجهاز نفسه أو من رافضيها، لم تستطع إلى حد الآن بلورة برنامج وخطة تحرير حقيقيين. ولا تزال هذه الحكومة تنظر إلى النتائج الوخيمة من دون أن تجري حوارا حقيقيا وشجاعا مع الولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما جعل المشروعية ناقصة وفي تراجع عوض أن تستكمل المفقود من خلال تكريس كل الجهد وكل التحركات والمساعي لضرورة خروج الولايات المتحدة الأمريكية من العراق.

* أما وسائل الإعلام، بشقيها الغربي والعربي، فقد غدت بقصد وبدونه البعد الطائفي، ولم يعد كافيا بالنسبة إلى العديد من وسائل الإعلام وصف العراقيين بالعراقيين فقط، بل الخطاب السائد يلح على إقامة جدار فاصل، وتقسيم المجتمع إلى عراقيين شيعة وعراقيين سنة!

لذلك فإن كل الأطراف الماسكة بزمام اللعبة في العراق متورطة في مستنقع دم ألف قتيل، وخيار المساءلة لن يكون مجديا إلا بتعميمه، ولا نعتقد أن تفكير السيد الطالباني في مزيد من الاحتياط والحذر واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع تحقيق الأهداف الخبيثة للإرهابيين، يشكل حلا تأسيسيا وجذريا، وإن كان يمكن أن يلعب دور المرهم المسكن، إذا ما تم إحباط بعض الأهداف. فالإرهاب الحالي بحكم مجانيته واعتماده على قنينة الجراثيم أو الكيماويات والسيارات المفخخة، لا ينفع معه سوى اقتلاع أسبابه بشكل يعزل الإرهابيين الذين زرعوا حالة فوبيا ويسحب منهم البساط.

وفي صورة تواصل تجسيد نظرية كبش الفداء فإن نظرية الدومينو التي وجدها مهندسو صقور الإدارة الأمريكية، وسعوا إلى تطبيقها في الشرق الأوسط من خلال العراق، كقرص أول من أقراص الدومينو المتراصفة، ستسد أمامها كل آفاق النجاح، وتصبح جنة الديمقراطية الموعودة جحيما مرئيا يصعب كثيرا تبريره بالمبررات الحالية في الأيام القادمة.

وإذا ما تذكرنا قول بوش قبل يومين من غزو العراق، انه بمجرد ما يغادر الدكتاتور بإمكان العراقيين أن يكونوا نموذجا حيا يسير بعزيمة وسلام، فإنه من المنطق طرح هدا السؤال; من جاء دوره الآن لمغادرة العراق وتجنيب الدومينو مزيدا من الاحتراق ومزيدا من الفشل لكل الأطراف، وخاصة الدم العراقي كبش الفداء القديم والجديد وهو يصرخ: «كفـــــــــاية»؟

* كاتبة وأديبة تونسية

amelmoussa@yahoofr