عقوبات

TT

استيقظ الاماراتيون على خبر «كبير» يفيد بأن ادارة سوق المال بدبي قررت الغاء عمليات بما يفوق الملياري دولار تخص مضاربات على أسهم احد البنوك.

وبسرعة انتشر الخبر وبدأت الاشاعات في التداول ومعظمها يصب باتجاه تحميل «المستثمرين السعوديين» مسؤولية هذا التلاعب ونتاج تلك المضاربة. ولكن سرعان ما تبين الخبر في اليوم التالي وانكشفت المسألة بعد معرفة أن مستثمرين اثنين من الامارات كانا وراء ما حدث، وتم نشر الخبر مصحوبا بالأسماء في ممارسة فعلية للمصارحة والشفافية، وحين سؤالي لصديق إماراتي لماذا حمل السعوديون «فورا» المسئولية ؟ أجاب إنكم في السعودية تعودتم على المغامرة دون أن تكون هناك عقوبة للخطأ حين حدوثه، ولا يعرف أبدا المتسبب في الخطأ، الى درجة أنه حين اصداركم للإنذار والتحذير الجماعي للأربعة والأربعين مخالفا، والذي صدر من قبل هيئة سوق المال، كان بلا أسماء، وبالتالي لم يتحقق المطلوب من مبدأ المعاقبة. وتأملت مليا فيما قاله لي صديقي. بالفعل مشكلة عدم معاقبة المخطئ هي مشكلة هائلة تؤثر فينا بشكل كبير جدا والموضوع بطبيعة الحال يتخطى فقط واقعة المضاربة بالأسهم ليشمل الكثير من الأمور والمواقع المختلفة في مجالات شتى.

هناك رأي بليغ يقول إن العرب لن يحرروا فلسطين قبل أن تختفي السحابة السوداء من سماء القاهرة، ويتم القضاء على تسميم الشواطئ في بيروت، ودفن النفايات بالسودان، وإصلاح شبكة الصرف الصحي بجدة، ومعاقبة المتسبب فيما حدث، وغيرها من صغائر الأمور التي ينطلق منها الشرر. مما يعني أن هناك العديد من الأمور «الصغيرة» والتي بعدم معالجتها ومعاقبة المتسبب فيها ستتفاقم وتهتز الثقة.

اذا كان العالم يتحدث مؤخرا عن أهم حكم قضائي تجاري والخاص بشركة ميرك لإنتاج الأدوية، وهو الحكم الصادر من قبل لجنة محلفين بمبلغ يفوق المائتين وعشرين مليون دولار أمريكي، نتاج خلل في الدواء أدى الى وفاة أحد المتعاطين لهذا الدواء والحكم بمثابة تعويض له، «من أمن العقوبة أساء الأدب» هكذا تقول الحكمة المأثورة ولكن الموضوع يتخطى إساءة الأدب، فيصل الى الضرر والإضرار بالناس. الناس اليوم في لبنان مصابون بالذهول غير مصدقين أن هناك «مخالفين» تم ايقافهم والقبض عليهم وأنهم بصدد التحقيق وقد يحاكمون نظير المخالفات والتهم التي «يعرفها الجميع» ولكن لم يكن لأحد أن يصدق أنهم سيواجهون بها. وكذلك الحال في سائر البلاد العربية.

السحابة السوداء في القاهرة معروف المتسبب فيها ولم يمس، تسميم الشواطئ معلوم من أذن بذلك ولم يعاقب، ودفن النفايات بالسودان ليس سرا، من صرح بذلك لم يتعرض للمساءلة، وكارثة الصرف الصحي بجدة لم يتم مجازاة المتسبب فيها (مع اقتراحي بإرساله سفيرا الى العراق لتكريمه !). وهكذا توضح الأمثلة الصريحة الفجوة الهائلة الموجودة في منظومة الثواب والعقاب، وهي التي تثبت الأرضية وتخصبها وتجعلها أهلا لنمو الفساد وترعرعه.