سرطان الكويت

TT

يمكن للكويتيين، حكومة واهالي، ان يلقوا بالمسؤولية عن جريمة اغتيال الصحافية هداية سلطان السالم على عاتق صدام حسين باعتبار ان غير قليلين في الكويت وجدوا ان صدام وممارسات قواته واجهزته خلال فترة الاحتلال وفرت لهم فرصة ذهبية للتملص من مسؤوليتهم الاساسية والمباشرة عن تفشي عدد من الاوبئة والامراض الاجتماعية، وهو ما كان سبق غزو صدام للكويت بسنوات وسنوات.

اذا ضُبطت كميات كبيرة من المخدرات في الكويت قيل: صدام حسين.

واذا افتُضح امر شبكة دعارة قيل: صدام.

واذا اكتُشف تنظيم سري (اصولي عادة) يجمع الاسلحة ويكدسها في مخابئ، قيل ايضا: صدام، او ـ في احسن الاحوال ـ قيل انها بقايا اسلحة صدام التي يريد «الشباب» ارسالها لنصرة «إخوانهم» في البوسنة او الشيشان..

وفيما إعترف قاتل هداية السالم بارتكاب جريمته عن سابق تفكير وتخطيط واصرار وترصد فإننا نلحظ الآن مسعى محموما لتبرئته. بل لجعله بطلاً.

اذا كان من اللازم تحميل فترة غزو الكويت مسؤولية عن الظواهر الغريبة في الحياة الكويتية، فان حصة صدام والاحتلال لا تتجاوز الثلث. اما الثلثان الآخران فيتحملهما ـ عن جدارة ـ طرفان كويتيان.

الاول: الحركة الاصولية ـ القبلية (على اختلاف تنظيماتها) التي مذ تُرك لها الحبل على الغارب منذ ربع قرن تقريبا مارست اشكالا من الضغط والابتزاز على الدولة والمجتمع في الكويت بدأت منذ مدة بطرح ثمارها المرة.

والثاني: الدولة الكويتية التي تهاونت، وتواطأ بعض اطرافها ايضا، مع هذه الحركة، فسمح لها في احيان كثيرة (لمواجهة الحركة الليبرالية خصوصاً) بتجاوز القانون والتعدي على الحقوق والحريات الخاصة والعامة التي كفلها دستور الكويت، وبالأخص حق الاعتقاد الفكري وحرية التعبير عن الرأي، متذرعة بالدين والشريعة والقيم والتقاليد.

الذي قتل الصحافية هداية السالم اخيرا، والذين حاولوا، قبل ذلك، اغتيال النائب الليبرالي عبد الله النيباري، والذين خبأوا الاسلحة بحجة ارسالها الى البوسنة والشيشان، وهم في الواقع كانوا يكدسونها لتنفيذ اعمال ارهابية داخل الكويت وفي محيطها، والذين من قبل ومن بعد، يعملون على قتل الافكار والآراء والعقائد السياسية المتحضرة في الكويت، انما يستمدون القوة من التواكل في تطبيق دستور الكويت وقوانينها على الجميع بالتساوي والتكافؤ، يتلقون السند من تلك اللعبة الطويلة الامد التي كان ينبغي ان تنتهي في اليوم الذي اجتيحت فيه الكويت.. لعبة تعويل اطراف في الكويت على الحركة الاصولية ـ القبلية لتعزيز دور معين او المحافظة على مصالح معينة.

مع صدام، يتعين على الكويتيين ان يفتشوا ايضا عن الطرفين الداخليين المسؤولين عن تفشي الظواهر السلبية، الاجتماعية والسياسية، لعلاج هذه الظواهر، وللحؤول دون استفحال السرطان وبلوغه مراحل متقدمة لا ينفع معها دواء ولا تفيد جراحة.