الرسالة التي لم تصل

TT

استبقت بغداد القمة العربية في عمان بعقد اجتماع لقياداتها السياسية والحزبية والعسكرية. وتقرر في الاجتماع ايفاد مبعوثين فوق العادة الى كل الدول العربية. وحمل المبعوثون رسالة مصاغة بلغة واحدة ومؤلفة من بنود موحدة. ولم يكشف عن تفاصيل الرسالة لكن بعض العواصم العربية سرَّب خطوطها العامة الى الصحف. وتبدأ الرسالة بعرض لظروف غزو الكويت. وتقول ان العراق وقع في فخ التصاعد والتصعيد. وان العمل العسكري سبق الحل السياسي. وان اي خلاف بين بلدين عربيين، مهما بلغ حجمه او عمقه، لا يستحق الحرب ولا يمكن ان يحل بالقوة، لأن اي حل بالقوة لم يعش في اي منطقة من العالم، مهما كان القوي قوياً والضعيف ضعيفاً.

لكن ما حدث قد حدث. وادت التطورات الى مجموعة من الكوارث والخسائر السياسية والبشرية والقومية والمادية. وتفرق العالم العربي. وحلت بالعراق نفسه اكبر الاضرار. فقد خسر نموه الاقتصادي والاجتماعي. وعرف موجة مريعة من الهجرة. وعاشت اوصاله الوطنية في حال من التمزق. وغرق في مأساة انسانية كبرى ضربت اطفال المستقبل وشيوخ الحاضر. وعاش العراق في عزلة دولية وعربية واقليمية. حتى حلفاؤه التقليديون لا يجرؤون على مد يد المصافحة اليه. وحتى اقرب العواصم الدولية اليه لا تستطيع استقبال مرضاه. وبعدما كان بين كبار المصدرين النفطيين اصبح يسرب النفط تسريبا. وفقد علاقته الخاصة مع تركيا مع استمرار حربه مع ايران. وفي ظل هذا الوضع تعرضت ارضه وسيادته للاستباحة. وتعمقت الفجوة بين الشمال والجنوب وبين العاصمة المركزية. وبعدما كانت بغداد عاصمة يتدافع نحوها كبار الزوار اصبحت تفرح ان جاءها صغارهم.

وتمضي الرسالة قائلة: ان هذا الوضع المأساوي يشبه، على فداحته، «كوميديا الاخطاء» الشكسبيرية. فالعناد يجر العناد. والعداء يجر العداء. والفقر يجر المرض. وكل يوم ضائع في عمر الشعوب هو دهر من الضياع. والعراق يدرك، بعد عشر سنوات من الحصار والعزلة، أن الاوان قد آن لعودته الى الاسرة العربية وموقعه الدولي. واذا كان قد خرج في عاصفة فلا بدَّ ان يعود في هدوء. واذا كان قد خرج في حرب مع جيرانه فلا بد من العودة في مصالحة كبرى وحقيقية. ولذلك فهو يطلب من القمة ان تحقق هذه المرة فعلاً «الحل العربي».

ويؤكد العراق انه على استعداد للقبول بالحل الذي يراه الاشقاء العرب والذي يؤدي الى رفع القرارات الدولية عنه. وهو لن يتردد في قبول اي صيغة تحفظ كرامته وكرامة الآخرين، تحفظ حقوقه وحقوق الآخرين، تطمئنه وتطمئن الجميع، وتلغي بالتالي اسباب الحصار، وتنقل الوضع من المناورة والمجابهة والمكابرة الى العمل المشترك والآفاق الواحدة والمصير المشترك وليس المصير المتضارب او المتحارب او المستنزف لكل مقومات المصير.

العراق ايها السادة يريد العودة الى موقعه ومكانه بين اشقائه. فاذا كان قد اخطأ فإن الاستمرار في الخطأ كارثة. وهو لا يشك لحظة واحدة، بأن الجميع يريدون عودته، خصوصاً الكويت التي ترفض مسؤولية ما يتعرض له العراقيون، لكن الجميع ايضاً يعرفون ان العراق وحده يستطيع محو اثار الحرب ولغتها وهواجسها. وها نحن نفعل.

تلك هي الرسالة التي لم تصل بعد من بغداد الى القمة العربية. للأسف.