فضائيات التشنج

TT

اعرف صديقا مدمنا على مشاهدة المصارعة الحرة في التلفزيون لسنوات طويلة، وما زال. وكنا نضحك عليه وهو يقفز ويدق يده في الارض تأييدا لهذا المصارع أو ذاك، رغم ان الكثير من مباريات المصارعة هي تمثيلية يعرف الطرفان نهايتها ومن سينتصر، ومن سيهزم ومن سيتقاسم اموال المباراة.

هذا الصديق اصبح مدمنا على مشاهدة بعض البرامج الحوارية في عدد من الفضائيات العربية، وما زال يقفز ويدق يده في الارض تأييدا لهذا المتحدث او ذاك، بالضبط كما يفعل في مباريات المصارعة الحرة.

هناك كارثة ثقافية وحوارية تسببها بعض البرامج الحوارية التي تستهدف الاثارة والتي تشيع بين الجيل الجديد من الشباب العربي بأن الحوار يعني الاثارة واهانة الطرف الآخر، وارتفاع الصوت والمقاطعة، والحديث في كل شيء دون معلومة ولا رقم، وبعيدا عن الدقة.

الحوارات الفضائية جديدة على الثقافة العربية، ويمكنها ان تلعب دورا في خلق رأي عام يفهم معنى الخلاف والتنوع، حيث يدافع الانسان عن رأيه او معتقده دون تسفيه الرأي الآخر، ويطرح الانسان افكاره بكل قوة، ولكنه يمارس فضيلة الاستماع للطرف الآخر، وهو مستعد للتخلي عن بعض ارائه، او الاعتذار عن الخطأ دون الشعور بالهزيمة.

بعض مقدمي البرامج الحوارية اصبحت مهمتهم هدم المعبد على من فيه، وبعضهم متعصب لنظام عربي او لفكرة معينة فينسى واجبه في الحيادية والموضوعية ويتحول الى طرف في الحوار وينسى ان مهمته ان يكون حكما عادلا.

كنت وزميل من دولة خليجية نستعد لدخول الاستديو في احدى القنوات العربية، وكان مقدم البرنامج واحدا ممن يعتقدون ان نجاح البرنامج يعني الصراخ والاختلاف والشد الذي يخرج عن الاصول، وسألنا هل تفضلون الشاي ام «الزهورات»؟ فاجبنا باننا نفضل الزهورات، وهنا صاح بنا «مع الاسف الزهورات تهدئ الاعصاب، وانا اريدكم في حالة تحفز»! دخلنا الاستديو، وتحاورنا بكل احترام وطرح كل واحد منا ما لديه، ورغم اختلافنا الجوهري، فقد قدم كل واحد رأيه، ودافع عنه، وخرجنا اصدقاء نحترم بعضنا البعض، وكان المستفيد الاكبر هو المشاهد الذي استمع الى وجهتي نظر متباينتين دون تشنج، ودون زعيق.