دعاء الخرفان

TT

تعاني الكنائس البريطانية من ازمة. وازمتها ان الكهان فيها يكادون يصبحون اكثر عددا من المتعبدين. فلا يذهب للعبادة فيها غير نحو ثلاثة في المائة من السكان. الواقع والملاحظ بجلاء ان السياح الذين يدخلونها للتفرج عليها اصبحوا اكثر عددا ممن يؤمونها للعبادة. واتوقع عن قريب ان يكون اللصوص الذي يدخلونها لنهب محتوياتها الثمينة اكثر عددا من السياح والمتعبدين معا. وبعدها سيصبح رجال الشرطة الذين يحرسونها من اللصوص اكثر ممن يفدون اليها من اللصوص والسياح والمصلين والكهان.

ولكنها حظيت بصحوة دينية في الايام الاخيرة. العامل المحرك لهذه الصحوة هو ليس البشر وانما البقر. فالحمى القلاعية التي تجتاح الريف البريطاني اخذت تفتك اسبوعيا بمئات الماشية من بقر وخرفان وخنازير. سمعنا الكثير عمن انتحروا حزنا على فقدان حبيب او زوج. في الاسبوع الماضي انتحر احد المزارعين البريطانيين حزنا على فراق بقراته. وهذه واقعة تبدد الفكرة القديمة بأن الانكليز لا يتأثرون بالحب والغرام كما نتأثر نحن. هاتوني رجلا عربيا واحدا انتحر حزنا او أسى على ممات عنزته او شاته مهما كانت شابة وجميلة، ومهما تعلق بعنزته اكثر مما تعلق بامرأته.

خف المزارعون البريطانيون زرافات ووحدانا الى كنائسهم المهجورة ليصلوا الى الخالق الاوحد ان يرأف بماشيتهم. ركعوا على ركبهم خاشعين والكاهن يتلو من الانجيل والتوراة والعازف يعزف على الارغون اشرف الاناشيد الشجية لباخ وسليفان وموتزارت. جوقة الكنيسة تنشد والجميع يسبحون ويرددون: «اللهم اغمر برحمتك وعطفك بقرتي الحلوب سالي واحفظها لنا».

علقت الصحف البريطانية على هذه الصحوة الروحية فقالت انها خير دليل على حاجة الانسان الى الايمان وان رسالة الكنيسة لم تنته بعد. وستظل تظهر الحاجة اليها كلما المت الملمات بقطعان البقر والخرفان. فهذه مخلوقات لا تفهم قواعد النظافة والتطهير واهمية المعقمات والاكل بالشوكة والسكين. تشرب من الترعة وتأكل أي شيء تجده امامها، تماما كما يفعل البشر في العالم الثالث. لا تقرأ التعليمات الصحية ولا تفهم حرفا واحدا مما يقوله الخبراء على التلفزيون والراديو، تماما ايضا مثلما يحصل لسائر مواطنينا. فهي ليس لها من حافظ غير خالقها عز وجل.

لم تشارك المساجد الاسلامية ولا الكنس اليهودية في هذه الصحوة الروحية البريطانية بشأن الحيوان لسبب واضح هو انها تشمل الخنازير. يستطيع أي منا ان يتصور مدى الحرج الذي سيشعر به الامام في المسجد او الحاخام في الكنيس وهو يرفع يديه الى السماء ويدعو للخنازير بطول العمر ويستنزل البركة على زرائبها ويطهرها تطهيرا. هذه نقطة لا اعتقد انها ستكون مناسبة لجدول حوار الحضارات وائتلاف الاديان.

من كوارث ازمة الحمى القلاعية انها ابعدت السياح من المجيء للاستمتاع بالريف البريطاني الجميل. واللوم يقع على مجلس السياحة. حالة مريعة من حالات عدم الكفاءة. بدلا من الاشارة للقيود المفروضة على الارياف كان عليهم ان يبشروا بروائح الشواء اللذيذة من حرق الابقار والاغنام. «هلموا لبريطانيا. بلد الشواء المستمر!».