التعداد قبل الانتخاب

TT

استمعنا الى العديد من الملاحظات على الانتخابات المصرية، اثناء الاقتراع يوم أمس، وهي في معظمها مألوفة، لها علاقة بالحضور والرقابة والمراجعة ونحوها، فهل ذلك بالضرورة عن سوء نية او سوء ادارة؟ لا هذه ولا تلك، هي نقص في ادوات الانتخاب، وتحديدا جمع المعلومات التي تمثل كل شيء في البلاد. فالانتخاب بلا احصاءات دقيقة مثل عربة بلا حصان، لا يمكن ان تذهب بعيدا.

وفي تصوري ان النقص المعلوماتي عيب أكبر من محاولة الحزب الحاكم التوصل الى نتيجة انتخاب مضمونة. فبسبب المعلومات اليدوية القديمة، لا يمكن ان نقول انها انتخابات جيدة او سيئة، لأن تحري الحقيقة امر شبه مستحيل في قوائم الناخبين. وبدل ان تضغط المنظمات المعنية بتطوير الاوضاع السياسية في العالم العربي على استعجال الانتخابات، عليها اولا ان تضع في المقدمة مسألة جمع البيانات السكانية، افرادا ومنازل ووظائف. فهو المفتاح الاساسي الذي يمكن من خلاله تنظيم العملية الانتخابية بصورة سليمة، ويمكن مراجعته ايضا بدقة ترضي كل الاطراف.

هنا في دولة مثل مصر بسبعين مليون نسمة، لن يكون التعداد السكاني وجمع البيانات الاساسية عنهم سهلا، بل عملية مكلفة وطويلة، لكنها ايضا مهمة واستراتيجية للدولة أمنيا واقتصاديا وسياسيا وبالطبع انتخابيا. وفي انتخابات امس من السهولة ان يشكك او يؤكد الطرفان، الحزب الحاكم والمعارضة، أية نتيجة. ولا يمكن لأحد ان يحكم فيها بوضوح. فان قال الحزب الحاكم ان النتائج سليمة او ادعت الاحزاب المنافسة انها مزورة سيعود المحكمون الى هويات الناخبين، وكلها اوراق يدوية تستحيل مقارنتها يدويا، بما لدى مؤسسات الدولة من ارشيف للمعلومات المسجلة يدويا. وبالتالي فان اجراء انتخابات في بلد مكتظ بالسكان مثل مصر، يستخدم التسجيل اليدوي وبقليل من الاحصاء السكاني المعلوماتي الدقيق، يجعله عملا صعبا على الجميع. وبالتالي فان انتباه منظمات المجتمع المدني وتركيزها على مراقبة الانتخابات، والحديث عن نزاهة الاقتراع وعد الاصوات، يأتي متأخرا لأنه لا معنى له بدون معلومات دقيقة عن الناخبين وهوياتهم وعناوينهم، تكون مخزنة إلكترونيا، يسهل الفصل في حقيقتها فور الاختلاف حولها.

وقد يقول البعض ان الحكومة، او الحزب الحاكم، غير حريص على التسجيل الالكتروني والتعداد السكاني الجيد، وهذا تفكير خاطئ لأن الحكومة هي الخاسرة في آخر المطاف. فالإجراءات الطويلة والمعقدة من اجل تسجيل الناخبين تنفر الناس من التسجيل، خاصة الفئات التي تؤيد الحزب الحاكم، لأنها عادة اقل حرصا على التصويت من الفئات المعارضة او الحانقة. المعارضون عادة هم اكثر استعدادا للتصويت تحت اي ظرف مناخي او اجراءات طويلة لأنهم يعتقدون ان لديهم رغبة في التغيير ولن يمنعهم طول الطابور او الجو الحارق او الخانق او الماطر. وتعداد فوائد التسجيل والاحصاء السكاني لاغراض انتخابية، يخدم دائما الحكومة في الوصول الى الناس وفهم مطالبهم ومساعدتها على ارضائهم وبالتالي كسب رضاهم.

[email protected]