لا، يضحك..!

TT

كان الاطفال، ولا يزالون، يفرحون حين حضور شخصية الساحر في حفلاتهم ومناسباتهم، ودائما ما تصدر أجمل التعبيرات على وجوههم حين يقوم «بإخفاء» حيوان أو منديل بشكل مفاجئ، ويخرجون جميعا مسرورين ومنبهرين من قدرته دون معرفة الأسباب التي مكنته من فعل ذلك. تذكرت هذا الأمر وأنا اقرأ هدم أمانة المدينة المنورة لجسر سكة حديد الحجاز الأثرية المعروفة، التي وضحت أن سبب الهدم هو سبب تقني، وذلك بالرغم من أن الهيئة العليا للسياحة صرفت على ترميمه 24 مليون ريال منذ خمسة أعوام. مسلسل ازالة المعالم التاريخية بالسعودية مستمر بشكل غريب، والواقعة الأخيرة فيها الكثير من المخالفات الادارية، وانعدام التنسيق بين الجهات المعنية صراحة وبين اتجاهات وأهداف بعض الجهات الرسمية وغيرها. كان يقال في السابق إنه توجد ثلاث وزارات مستحيلة، وزارة العدل في العراق، ووزارة الموانئ في تشاد، ووزارة السياحة في السعودية. واليوم تحولت وزارة السياحة في السعودية الى واقع متنام يقوده اداري مسؤول يلقى احترام شريحة هائلة من الناس وهو الأمير سلطان بن سلمان، وقد لقي تعليقه الغاضب والمتسائل عن واقعة هدم جسر سكة الحديد ارتياحا، خصوصا أنه فند فيه أن أمانات المدن والبلديات ليست من صلاحيتها هدم المواقع التاريخية وإزالتها، وأنه «بانتظار الاجابة» على ما حدث، خصوصا أن الهيئة العليا للسياحة هي أدبيا ومعنويا على أقل تقدير هي المعنية في هذا الأمر.

هناك تفاؤل كبير بتصدي الأمير سلطان بن سلمان لهكذا مخالفات، لما عرف عنه من حكمة ومسؤولية ورجاحة عقل. استمرار هذه المخالفات والازالات هو باختصار محو لذاكرة الناس وضمير البلاد بغض النظر عن الحجج والتبريرات المصاحبة لذلك. هناك الكثيرون الذين ينتظرون الاجابة المرتقبة لتفسير وتبرير ما حدث، لكن هناك شوقا وترقبا حقيقيا للكيفية التي سيتم بها التعامل مع هذه الواقعة تحديدا لإصلاح ما حدث ومنع تكرار ما قد يحدث مستقبلا. المطلوب التعامل مع موضوع المعالم التاريخية بسوية وبدون حساسية، واعتبارها أنها علامات لأمة بتاريخ، وهذه المعالم هي الدليل المادي على الطرح التنظيري لما نقول. السياحة المتوازنة التي يؤمل في حدوثها في السعودية والمعتمدة على طرح ثقافي وأخلاقي، ستكون ناقصة جدا في استمرار هكذا تجاوزات. حينما كانوا يبنون ويحفرون ويشيدون أنفاق ومعالم مشروع مترو الانفاق في القاهرة، «فجأة» نشرت الصحف خبرا عن «اختفاء» رافعة عملاقة يبلغ ارتفاعها عشرات الأمتار وتزن أطنانا ثقيلة، وللآن لا تزال الواقعة مقيدة ضد مجهول، كل الأمل أن لا يلقى جسر السكة الحديد نفس مصير الرافعة!.