التفتيش عن بوصلة

TT

لم يسبق لحكومة لبنانية أن اظهرت افتقادها الى «بوصلة» تقود خطاها كما أظهرت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في تعاطيها مع رئيس الجمهورية أميل لحود.

وكأن هامش الحركة المتاح حاليا للحكومة اللبنانية هو تقطيع الوقت بانتظار صدور التقرير النهائي لرئيس فريق التحقيق باغتيال الرئيس الحكومة الراحل، تنتقل هذه الحكومة من تسوية مرحلية الى تسوية مرحلية أخرى مع القصر الرئاسي.

ولكن انهيار آخر هذه التسويات، أي اقتراح التناوب في عقد اجتماعات مجلس الوزراء بين القصر الجمهوري في بعبدا والسراي الحكومي في بيروت، وبالتالي تراجع بعض الوزراء عن دعوتهم الى «مقاطعة» قصر الرئاسة والاكتفاء بجلسات السراي، أظهر ـ ولو الى حين ـ فشل مشروع «استقلال» السراى الحكومي عن القصر الرئاسي.

باي منظار كان، العودة الى نظام «اللبنانيين لا لبنان الواحد» كارثة معنوية وسياسية واقتصادية على البلد كائنا من كان على سدة القصر الرئاسي وكائنا من كان على سدة السراى الحكومي، فلا يعد القصر الجمهوري ملكا خاصا لاميل لحود ولا السراي الحكومي ملكا خاصا لفؤاد السنيورة.

وإذا كانت تجارب الماضي القريب لم يستوعبها اللبنانيون بعد على صعيد الوطن ككل، فأضعف الايمان الحفاظ على وحدة مؤسسة مجلس الوزراء وتجنيب البلد الوقوع في حالة شلل على كل الصعد.

والمبدأ نفسه ينطبق على تركيبة الوفد اللبناني المقترح الى اجتماعات الامم المتحدة في نيويورك الاسبوع المقبل، فـ«تعددية» الوفد شرط اساسي لاضفاء الشرعية على تمثيله للبنان في هذه المرحلة الدقيقة من تحول هويته السياسية.

قد يبدو هذا الطرح دعوة لاعادة التجاذب بين القصر الرئاسي والسراي الحكومي الى ما كان عليه في عهد الرئيس الراحل رفيق الحريري، أي الى حالة من حالات التوازن المضبوط، الى حد ما، بين الموقعين. ولكن الواقع السياسي السائد اليوم ينسف، بحد ذاته، هذه المعادلة ولأكثر من سبب:

ـ التغطية السورية المرجحة عادة لموقع القصر الرئاسي لم تعد قائمة... وحتى لو كانت قائمة فان مردودها على موقع الرئاسة يبقى سلبيا أكثر مما هو ايجابي.

ـ الاكثرية النيابية نفسها تبدلت تبدلا جذريا بحيث اصبحت قادرة، عدديا، على ترجيح موقع السراي الحكومي في أي مواجهة قد تستدعي العودة الى مجلس النواب.

ـ التحقيق الدولي الجاري في جريمة اغتيال الحريري حقق اختراقات ملموسة توحي وكأن نتيجته النهائية غير المعلنة باتت واضحة المعالم.

وهنا بيت القصيد... فإذا كان تقرير لجنة التحقيق الدولية هو «الامتحان» المرشح بنتيجته ان «يكرم العهد أو يهان»، فما هي جدوى فتح معارك مبكرة ـ وجانبية ـ بين الموقعين الرئاسيين في لبنان والكلمة الفصل في نتيجتها خارج أيدي أي من الطرفين في وقت تتوالى فيه التأكيدات على أن خطى التحقيق تتسارع بوتيرة ملحوظة.

وإذا صح إدراج «دبلوماسية» رئيس اللجنة، ديتليف ميليس، في الكشف التدريجي عن بعض محتويات تقريره في خانة التغطية الدولية لتحرك القضاء المعني مباشرة بهذا التقرير، فقد يكون تسريب نشرة «انتليجنس اون لاين» نبأ التورط المحتمل لمسؤولين امنيين سوريين في هذه الجريمة، قبل ايام معدودة من موعد ذهاب ميليس الى دمشق، محاولة أخرى لتحريك الضغوط الدولية على دمشق «للتعاون» مع التحقيق.

باختصار، من حق حكومة لبنان ان ترتاح، فسواء شئنا ام ابينا، «بوصلة» اتجاهات الحكم باتت في ايدي المحقق الدولي، ميليس... ومن وراء المحقق الدولي من عواصم ومصالح دولية واقليمية.