«حكَّام مصر» ديكتاتورية النيل

TT

تعدّد «الهلال» مئات الحكام والولاة والسلالات الذين عرفتهم مصر. وكانت جميعها غير مصرية. «فالحكَّام كانوا يأتون عبر البحر». وكان الملك فاروق آخر حاكم من سلالة محمد علي. وهو عسكري ألباني سابق توفي له 17 أخاً. ومع محمد نجيب عرفت مصر اول حاكم عربي. ثم جمال عبد الناصر، فأنور السادات، فحسني مبارك. وبسبب التاريخ الطويل من الاحتلالات والاستعمار عرفت مصر ايضاً الكثير من الانتقاضات والثوار. وحارب المصريون المستعمر «بلسانهم» عندما كانوا يعجزون عن المقاومة. وقد كتب ابن اياس في «بدائع الزهور في وقائع الدهور»:

ان حملت الأنفس ما لا تطيق أطلقت الألسن ما لا يليق

وفي مواجهة الاستبداد كثرت التعابير التي تصف المعارضة الالسنية. وتعددها «الهلال» هكذا: المقابحة، المشاتمة، الزعيق، البلضمة، السباب، الردح، التشهير، التجريس، التشنيع، الشلضمة، البهدلة، التريقة، التقليس، الزبلحة، البلبلة، العياط، الرطانة، البرجمة، المناداة، النأورة، القر، النقورة، الزرينة، اللعلعة، البرطمة، الولولة، النياحة، الهجو، التشليق، المعايرة، اللعن، الدعاء، النقذقة، والى آخره.

ويقول رحالة من البيرو زار مصر العام 1792، ويدعى الكسندر مندوزا ان «أهل مصر أهل نكتة». والنكتة تعكس صور الحكمة والقدرة على فلسفة الامور وتحمل الشدائد. ورويت في زمن الحاكم التركي قراقوش نكتة تقول «ان جنديا صعد مركبا فيه فلاح وزوجته الحامل في شهرها السابع، فصدمها الجندي وأسقط حملها. فأخذه الزوج بتلابيبه الى قراقوش طالبا حكمه، فحكم على الجندي بأن يأخذ الزوجة ويطعمها ويكسيها ولا يعيدها الى زوجها الا وهي حامل في الشهر السابع».

يرد المفكر الراحل جمال حمدان كل شيء في مصر الى النيل حتى صورة المصري الخاضع ابداً للحاكم: «الحقيقة الاولى في الوجود المصري هي النيل». والنيل هو ضابط ايقاع الحياة في مصر. من النظريات البيئية الشائعة في الدراسات الاجتماعية نظرية تربط بين الطغيان السياسي وبين البيئة النهرية. ان الظروف الطبيعية في مصر والعراق وآشور وفارس وروما مسؤولة عن نوع التنظيم السياسي الذي نشأ فيها. فالاثنان الأولان سادهما الحكم المطلق والثلاثة الاخيرة سادها الحكم شبه المطلق. وان الحكم المطلق في مصر والعراق يرجع الى الطبيعة النهرية.

الى اللقاء